معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

هل تعيد سوريا العرب الى عروبتهم؟
06/04/2020

هل تعيد سوريا العرب الى عروبتهم؟

 

ايهاب زكي

يتبادر إلى ذهن الكثيرين حين الاستماع لخبر اتصال ولي عهد أبو ظبي بالرئيس الأسد، سؤال مفاده هل تعود سوريا إلى الحضن العربي؟ وإجابة قاطعة وبلا تردد هي "لا" كبيرة. فمصطلح الحضن العربي أولاً، هو مصطلح تضليلي وليس هلامياً فقط، حيث لا يوجد فكرة عروبة فضلاً عن وجود مشروع، وحتى الإطار الرسمي للعروبة ممثلاً بالجامعة العربية هو ملحقٌ آخر من ملحقات الخارجية السعودية، فما يضع النفط خاتمه عليه يصبح عروبة مهما كان كفراً بواحاً. أمّا ثانياً، فإنّ من يعود هو من غادر، وسوريا لم تغادر موقعها أو موقفها، بل هي الثابت الوحيد في بيئةٍ جائحة متلاطمة وجانحة، والإطار الرسمي والشكلي للعروبة -الجامعة العربية- هي من غادرت عروبة سوريا وليس العكس، كما أنّ سوريا ليست تبحث عن شرعية من خلال هذا الإطار ثالثاً، أو على الأقل فهي ليست في عجلةٍ من أمرها، كما أنّها قد تصبح أكثر راديكاليةً في مواقفها من دعم المقاومة والتحالف مع إيران بحلف العروة الوثقى رابعاً، وأكثر تقديراً للمصالح الروسية دون حتى مجرد نافذةٍ تطل منها مصالح الولايات المتحدة خامساً.

خسرت الولايات المتحدة تراكمياً في سوريا، واستنفدت كل الخطط المرسومة "ألف وباء وجيم ودال" وما بعدها، وكلما حاولت الاستدراك راكمت خسارة جديدة، حتى باتت ترزح تحت وطأة خسائرها دون أيّ رافعة، فخطة إسقاط "النظام" فشلت وخطة تقسيم سوريا فشلت، كما فشلت خطة الفيدراليات عبر فرض دستور مفدرل، كما فشلت في الضغط على سوريا لمنح ضماناتٍ أمنية لكيان العدو، والتي كانت ستكون تحصيل حاصل فيما لو نجحت المخططات الأمريكية لإسقاط "النظام". حتى معركة إدلب خسرتها الإدارة الأمريكية مما شكّل هاجساً يقضّ مضاجع العسكريين في البنتاغون، على المصير اللاحق للقواعد الأمريكية شرق الفرات، كما على مصير آبار النفط السورية التي تنهبها الولايات المتحدة، لذلك لم يتبق من أحرفٍ أبجدية تكفي لترقيم الخطط الأمريكية الفاشلة في سوريا، فلجأت إلى الحرف الأول على سبيل الإعادة، وهي سياسة الاحتواء ومحاولة استدراك ما يمكن استدراكه، عبر فتح رأس جسر من خلال الإمارات، تمهيداً أو ترغيباً بمحورها الذي تقف السعودية على رأسه.

يبدو أنّ الولايات المتحدة تراهن على هذا التحالف لعدة أسباب، أهمها هو إيجاد قاعدة لمشروع انفصالي كردي أو فيدرالي على الأقل، من خلال مساومة الدولة السورية على دعمها عربياً وأمريكياً في مواجهة تركيا، وأنّ الأكراد سيكونون حائط صدّ أمام الأطماع التركية برعاية عربية أمريكية، وعلى الجانب الآخر تقوم الولايات المتحدة بتقديم ضمانات كردية للأتراك، كما السيطرة على النفط السوري عبر غطاء استثماري عربي، يكون بمثابة مصدر الدخل للكيان الكردي المستولد، على سبيل الإعادة للتجربة العراقية في إقليم كردستان، والأكراد الذين يطاردون وهم الدولة منذ مؤتمر الصلح في باريس عام 1918، حيث حضر وفدٌ كردي وتم إقرار العمل على إنشاء دولةٍ كردية، كما تم التأكيد على الدولة الكردية في مؤتمر "سيفر" عام 1920، ولكن مع قيام الجمهورية التركية رفض أتاتورك الاعتراف باتفاقية "سيفر" وبدأ حملة اضطهاد واسعة للكرد على ذات الدول التي وعدت، وقد هدد أتاتورك بعدم حضور مؤتمر لندن في حال حضور وفد كردي، فامتنعت القوى الكبرى حينها عن توجيه دعوة للكرد، وهكذا كان الكرد مجرد ورقة للمساومة في لعبة الدول الكبرى، ولم يختلف الوضع كثيراً مذاك الحين، وكأنّ قرناً من الزمان لم يكن كافياً ليستفيد زعماء الكرد من تجربة الوعد الاستعماري بالوهم.

ومن الملاحظ أنّ الفائدة الوحيدة التي ستجنيها الدولة السورية في المقابل، من خلال هذا السيناريو، هو ما يُقال إنّه عودة سوريا إلى الحضن العربي، إنها تبدو كدعابة في مسرح درجة عاشرة، ولكن كما تقول الحكمة القديمة، حين تُسدّ كل السبل يبدأ التفكير بالمعجزات، والتفكير بالمعجزات في أحيانٍ كثيرة يكون على شكل سخرية، والحقيقة أنّ الدولة السورية ليست في وارد المساومة، وليس من منطقها تقديم تنازلاتٍ مقابل انتزاع حقوقها، ولكنها من وجه آخر تجيد السير في عتمات السياسة، وتعرف كل القادمين إليها ماذا يريدون ومتى وكيف، وتعرف كيف تلتقط اللحظة المناسبة لقول "لا"، كما تعرف بالضبط توقيت الـ"نعم"، خصوصاً إذا تفاوضت من موقع المنتصر بينما أعداؤها في أسفل التلة. وليس من قبيل الصدفة أن يكون تعليل المكالمة بين ولي عهد أبو ظبي والرئيس الأسد بـ"كورونا"، فـ"كورونا" وباء عالمي يطال اليمن أيضاً، ولكن الإمارات لم تلتفت للإنسانية في اليمن في زمن كورونا، ولكن التعلل بـ"الكورونا"، كونه سببًا عارضًا، فهو مدخل قد يكون بعده جدار، بمعنى مكالمة أولى وأخيرة إذا كان التعاطي السوري مع سياسة الاحتواء المتجددة "سلبياً". ولكن في نهاية المطاف وحين الانتهاء من ملف إدلب، وتوجه الجيش السوري نحو شرق الفرات، ستكون سياسة الاحتواء على شفا لفظ أنفاسها الأخيرة، لصالح سياسات تبتدعها الولايات المتحدة مع تكليف جديد لطرف جديد أو قديم لا فرق.

الإمارات العربية المتحدة

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف

خبر عاجل