معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

بعد
13/04/2020

بعد "هدنة" العدوان.. هل تصبح صنعاء غزة أٌخرى؟

ايهاب زكي

أن يبتلع البحر غزة ذات صباح، كانت من أعظم أمنيات اسحاق رابين، وأن يغرق اليمن في البحر هي أعظم أمنيات حكام آل سعود الآن، بعد أن أغرقوه في الدم والنار للسنة السادسة على التوالي.

ولكن مشكلة القتلة أنّهم لا يتقنون لغة الجغرافيا، فالجغرافيا لها عبقرية تصبح لعنة بمجرد أن يتوهموا التفوق، أمّا القتلة في اليمن من حكام آل سعود فهم لا يتقنون شيئاً سوى الانصات جيداً للهاتف الأمريكي، ويؤمنون أنّه استدراكٌ لوحيٍ منقطع، فالعدوان على اليمن أمريكي في أصله، كما كل الخطوات السعودية خارجياً في العراق وسوريا وليبيا ولبنان، وأزمة قطر مروراً بحرب أسعار النفط وصولاً إلى قرار وقف النار في اليمن. وهو قرار لا يعدو كونه حملة دعائية من جانب، باعتباره جاء معللاً بجائحة كورونا، وأنّ انسانية "مملكة الخير" قد طفحت على حين غرة، وخطوة تمهيدية من جانبٍ آخر لما قد يكون عليه شكل الاشتباك مستقبلاً وطبيعة الحرب، كما أنّها خطوة تحمل دلالات الفشل الأمريكي الاستراتيجي في تحقيق أهداف العدوان، وهزيمة سعودية ميدانية قاسية.

إنّ التقدم الذي أحرزه أنصار الله والجيش اليمني ميدانياً، جعل من المتعذر قيام تحالف العدوان بخطواتٍ استدراكية تعيد له التوازن، أو على الأقل تمكنه من صدّ الزحف اليمني للسيطرة على المزيد من المناطق الاستراتيجية، فكانت الهدنة هي القشة القابلة للتعلق بها في زمن كورونا، حتى أنّها ستسبب الحرج لصنعاء في حال عدم التقيد بها، ويصبح اليمن المعتدى عليه هو الجاني الذي يرفض وقف الحرب.

 أمّا الجانب التمهيدي في قرار وقف النار من قبل ما يُسمى بالتحالف، فيبدو أنّه الخطوة الأولى في خلق غزة جديدة، حيث هدنٌ متوسطة الأجل تتبعها اشتباكات محدودة ثم العودة للهدنة، مع استمرار الحصار براً وبحراً وجواً، ويُضاف إلى هذا في حالة صنعاء، إغارات وزحوفات واشتباكات على فترات متقطعة متقاربة أو متباعدة، يمارسها عناصر ما تُسمى بـ"الشرعية" اليمنية، مع تدخلٍ جراحيٍ لطيران العدوان كلما اقتضت حاجة الاشتباكات البرية، مما يشكل استنزافاً متواصلاً لليمن وللجيش ولأنصار الله، وشيئاً فشيئاً يغيب العدوان والمعتدي عن المشهد، لتصبح القضية مجردة من طبيعتها العدوانية لصالح إطار انساني ضيق كما هو الحال في غزة، وهذا بطبيعة الحال تفكير أمريكي صهيوني لا يجيده حكام آل سعود.

 في بداية العدوان على اليمن ظنّ تحالف العدوان أنّها حربٌ خاطفة وسريعة، وتبدى ذلك في الإعلانات الكاريكاتيرية للتحالف بتدمير 85% من القدرات اليمنية في الأيام الأولى، ثم تحولت إلى حربٍ منسية بعد إعلان ابن سلمان الأكثر كاريكاتيرية أنّ جيشه قادرٌ على الحسم في يومين لولا الحرص على حياة المدنيين، ثم أصبحت حرباً دفاعية بالنسبة لآل سعود بعد تعزيز اليمن قدراته التسليحية، والآن يريد التحالف تحويلها إلى الحرب غير المكلفة سعودياً، حدودٌ مقفلة براً وبحراً وجواً واقتتال داخلي، وتنزوي السعودية في عتمة كورونا تلعق جراح الهزيمة دون أن يراها أحد. وقد تصبح الطرف الوسيط والنزيه الذي يقدم المبادرة تلو المبادرة لوقف الاقتتال اليمني المحلي، وتحاول جاهدةً جلب الأطراف المتنازعة إلى طاولة الحوار. ولنا أن نتخيل أن يكون نتن ياهو وسيطاً بين فتح وحماس، ونوغل أكثر فنتخيل إعلامه يقدمه على أنّه الحريص على الوحدة الفلسطينية، كما سيفعل الإعلام السعودي بتقديم المملكة كالحريصة على الوحدة اليمنية، بينما "الحوثيون" -حسب وصف دول العدوان- المرتبطون بأجنداتٍ غير يمنية، هم من يعرقلون التوصل لاتفاق وقف الحرب، وهذا سيناريو شديد التفاؤل فيما لو كان فعلاً هو ما يتقصده من تفتق عقله عن خدعة الهدنة.

إنّ هذا السيناريو يصعب تطبيقه في اليمن على غرار غزة، فهناك اختلافات جوهرية يتعذر معها نجاحه، من بينها ما بات يمتلكه الجيش اليمني وأنصار الله من قدراتٍ جوية من الصواريخ إلى الطائرات المسيرة ما قد يعيد السعودية إلى عصر ما قبل النفط في ليلةٍ واحدة، وقد يستغرق الأمر شهوراً أو سنينَ قبل أن تعود للإنتاج مجدداً، وبعد استهداف أرامكو وصلت هذه الرسالة بدقة. كما أنّه في ظل ما يحرزه الجيش واللجان من تقدمٍ على الأرض بوجود التحالف، فإن الهدنة لن تعطيهم ميزة إضافية تجعل منها في شكلها المعلن مغنماً، فضلّا عن أنّ اليمنيين هم الطرف المنتصر وهم من يملكون زمام المبادرة، ولا يمكن جرّ المنتصر للطاولة للتوقيع على شروط المهزوم، لمجرد أنه أعلن رغبته في وقف العدوان لأسبوعين، لذلك فإنّ وقف العدوان قطعاً لن يكون إلّا بشروطٍ يمنية، وعلى السعودية أن تفتش عن إخراجٍ مناسب لرضوخها، فهذه ليست مشكلة يمنية.

اليمنيون على الأرجح ليسوا معنيين حالياً بإذلال آل سعود جهاراً نهاراً، وحربهم ليست حرباً قبلية كما يراها آل سعود بعيداً عن الأهداف الأمريكية، هم حصراً يطلبون حقاً طبيعياً، وقف العدوان ورفع الحصار فقط، وإذا كانت المملكة ترى في تحقق هذا ذلاً فليكن، فالذل السعودي لا يساوي نقيراً فيما لو قبلت صنعاء أن تصبح غزة أخرى، حيث ستستبدل كرامة القتل بالنار بذلة القتل بجوع الحصار وأمراضه وتسولاته.

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف