نقاط على الحروف
ما علاقة تعميم المصرف المركزي بسرعة هبوط الليرة اللبنانية؟
يوسف الريّس
تواجه الليرة اللبنانية انزلاقات الحكومات السابقة منفردة كمؤشر واضح للهوة ما بين واقع الاقتصاد اللبناني والنموذج الوهمي الذي بنته السياسات المنصرمة. يصل اليوم سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية الى 3320 للشراء و3200 للمبيع. هذا التصاعد الهستيري في السوق السوداء حتى في ظل ركود الأسواق متشعب الأسباب. فالشلل الحاصل في الأسواق بسبب إجراءات الكورونا والتي من المفترض أن ينتج عنها انخفاض الطلب على الدولار للاستيراد وللعمليات السوقية مع الخارج لم يعطِ تأثيره المفترض على سعر الصرف.
يعتبر الدولار حاليًا ملجأ لتأمين المقيمين في لبنان على ما تبقى من أموالهم الحالية في ظل مستقبل سوداوي لليرة. أما الحاجات الأخرى لهذه العملة فتتمثل باستيراد المستلزمات الطبية لمواجهة وباء الكورونا من جهة، والمواد الغذائية من جهة أخرى. الدولار المطروح في الأسواق لا يلبي حتى هذه الحاجات.
وهذا دليل على أن سعر سوق الصرافين يتأثر بنسبة مرتفعة بحاجة المقيمين للتأمين على ما تبقى لديهم من أموال. هذه الحاجة منبثقة من انعدام الثقة بالليرة اللبنانية، حيث يتصاعد انعدام الثقة مع كل إجراء حكومي يتم التداول فيه أو تعميم من مصرف لبنان. حتى بات البعض يرى أن احتفاظه بالليرة اللبنانية يعني خسارة معتدة من قيمة أمواله وهذا العامل أساسي في سرعة تدهور قيمة العملة الوطنية. فلم يعد حاملو الليرة يثقون باحتمالية إرتفاع قيمتها في الأمد البعيد أو حتى كقفزة مفاجئة. هذا الوضع يسهّل على الصرافين تحصيل هامش من الأرباح مرتفع ويعطيهم قدرة على المناورة.
تدعم هذا التوجه بعض تعاميم المصرف المركزي والتي كان آخرها متعلقا بالتحويلات المالية عبر المؤسسات غير المصرفية بتسديد التحويل بالليرة اللبنانية بسعر صرف السوق. هذا القرار ينبثق عنه انخفاض في التحويلات الخارجية التي يعمد مصرف لبنان إلى استحصالها. فالمغتربون، والذين هم أساس تدفق الدولار الى الأسواق، امتنعوا عن ارسال أموالهم عبر القطاع المصرفي حتى تحت خاصية الـ "fresh money". فهؤلاء بمعظمهم احتجزت أموالهم بالمصارف ولا ثقة لديهم بتسليم عملتهم الصعبة للقطاع المصرفي. وبالتالي التعميم الصادر عن مصرف لبنان بتسليم عائلاتهم ما يوازي هذه القيمة بالليرة اللبنانية سينتج عنه انخفاض بتدفق الدولارات إلى لبنان عبر المؤسسات غير المصرفية.
هذا الإجراء، إضافة إلى الحديث المتداول عن الهيركات والخطة الاقتصادية للحكومة ومعارضتها خلق حالة لا استقرار جعلت التهافت على الدولار يرتفع لتسجل الليرة هبوطًا مدويًا في يومين تخطت فيه عتبة الـ 3000 ليرة بسرعة فائقة.
القيمة الفعلية للعملة هي قيمة الطلب عليها، والحاجة إليها ترتبط بحسب نظرية "جون مينارد كينز" بحاجة الناس إليها لحركة البيع والشراء وللوقاية وللمضاربة. كل هذه الحاجات تقف بمواجهة مع الليرة اللبنانية، وبالتالي الطلب عليها يتقلص وقيمتها تنخفض بوقت محدود.
تعليق العمل التجاري الحالي يشكل فرصة للحكومة لتهدئة أسعار الصرف، إذ إن الحاجة للاستيراد وبالتالي للدولار باتت محدودة، ومن هنا التحكم بالحاجات الأخرى يمكن الاستحصال عليه بإجراءات تعطي الثقة بالعملة المحلية للتخفيف من سرعة هبوطها.
لبنان، باقتصاده يحتاج إلى التدفقات بالعملات الأجنبية. وبالنظر إلى طابع السوق اللبناني، فإن المغترب سيحوّل الأموال التي ستضخ بالسوق المحلي وهذا ما يجب أن يحرص المصرف المركزي على تأمينه وإن عبر المؤسسات غير المصرفية.
عامل الثقة بالعملة الوطنية هو الذي تهاوى سريعا، وهو ما يجعل توقع الحدود الذي ستهبط اليه صعبًا.
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
20/11/2024
ما بين عامَي 1948 و2024 ما الذي تغيّر؟
20/11/2024
أن تصبح سردية العدو شغل LBCI الشاغل!
18/11/2024
عن قائد كتيبة الإعلام المحارب..
16/11/2024
ضاحية السيد: مدينة تسكننا!
16/11/2024
الانهزاميون ينتشون بفائض الحرب والتدمير
15/11/2024