معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

عشرون عامًا على
21/05/2020

عشرون عامًا على "مجد أيار".. عشرون حباً للمجاهدين وأكثر

 ليلى عماشا

يبلغ التحرير في هذه الأيام المباركة عشرينه، وما زال حضوره مبهجًا كما في أولى لحظات ولادته.. ففي كلّ مرّة ندخل فيها إلى الأرض المحرّرة "بسلام آمنين" نستعيد شريطًا كاملًا من صور حفظتها الذاكرة صرخةً صرخة، ووردةً وردة.. حين تمرّ من هنا، في المنطقة المعروفة بمنطقة الشريط المحتل سابقًا، تستحضر تلقائيًا في ذهنك مشاهد مختلفة تقارن فيها ما بين فترة الإحتلال وأيام التحرير وكلّ ما تلاها من انتصارات.. ستلمح في زاوية من ذاكرتك ظلًّا لحديًا يختال مهدِّدًا الناس من طيّبي هذه الأرض،  ثم بلمحة ستراه ذليلًا في طابور أنجاس يرجون العدوّ أن يسمح لهم بالهرب إلى فلسطين المحتلة.. وفي زاوية أخرى ستلمح عيون المعتقلين في معتقل الخيام، ثمّ ستسمع في اللحظة ذاتها صيحات الحرية التي رافقت تحريرهم من زنازين العدو وعملائه.. ستختلط المشاهد لتمعن في المقارنة وفي العزّ.. هنا، كان اللحديون أكياس رمل يحتمي خلفها العدوّ وهنا شهدنا كيف نُثرت رمال عمالتهم ولفظها تراب عامل.. وهنا، كان القهر قمح الأيام وكان الظلم ضيفًا ثقيلًا في كلّ بيت رفض التعامل مع الصهاينة تحت أي مسمّى، وهنا كانت زغاريد الحرية وهطول الورد والرز في استقبال العائدين بعد غياب وسنين شوق.. وهنا، كانت المعابر التي تنتصب حدودًا ظنّها الصهاينة ستبقى للأبد وهنا كانت بوابات الدخول إلى التحرير.. من بيت ياحون إلى كفرتبنيت يتهادى القلب، تحضر مرارة استحصال "التصريح" بالدخول والحرمان من الإلتحام بتراب أرضك، وتحضر احتفاليات النصر التي أقيمت في كلّ دار وفي كلّ ساحة من ساحات القرى..

شريطٌ حافل من الذاكرات المخضّبات بالجروح وبالظلم وبالدمع وبالدم يليه ذاكرة تختصرها صرخة "الحمدلله لِتحررنا" بلهجة عامليّة تحوي كلّ الحبّ والتعب.. وفود سيّارة، مشاة متعجلّيون، زغاريد وضمّات ملّحها دمع العائدين إلى حضن مَن صمدوا وتاهت الصرخات بين من انتظروا هذا اليوم وآمنوا أن بعد الصبر نصراً.. وأيّ نصر!

نحتفل، نعم نحتفل بالأرض التي شهدت كيف الذين استضعفوا انتصروا، وكيف الذين استكبروا وقفوا في طوابير الذل يرجون العدو التفاتة تتيح لهم الهروب معه.. ونحتفل بالتراب الذي لفظ خطوات المحتل واستقبل العائدين وقد آثر بعضهم الدخول حافيًا قبل أن يهرع إلى عتبات الأبواب يقبّلها.. ونحتفل بالورد الجنوبيّ الذي فاح حرًّا بعد سنين من صمت العطور.. ونحتفل في ساحات "المعتقَل" وما زالت رائحة الظلم تعبق بالمكان، ممزوجة بصيحات المحرّرين خلف أبواب أوصدها العدو وصبيانه قبل فرارهم وفتحها الناس بالنبض قبل القبضات..

هو عيدنا، يومنا الوطني، اكليل الحب على جبين ذاكرتنا.. وهي أيام عشناها لحظة بلحظة، درب عبرناه من الشوق الملتهب إلى أحضان جداتنا ورائحة خبزهنّ.. طريق رصفته دماء المقاومين حجرًا حجراً، وجرحًا تلو جرح.. هو اليوم الذي عرفنا فيه أن نشرات الأخبار التي كانت تبدأ بـ "زفّت المقاومة..." أو التي تتخلّلها جملة "استهدف المقاومون موقعًا للعملاء" كانت نجمات تتراكم لرسم الطريق نحو بوابة من ورد كُتِب فوقها "ادخلوها بسلام آمنين"..

عشرون عامًا، وما زلنا كلّما دخلنا، نثمل حُبًا وامتنانًا وعزاً.. وما زالت الأرض تستقبلنا بصور الشهداء وبحكاياتهم وبوردٍ نما حيث مرّت أقدام المقاومين.. كيف لنا أن لا نقبّل نبل تلك الأقدام؟‎

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف