معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

هكذا يحاول العدو صناعة بطل
17/06/2020

هكذا يحاول العدو صناعة بطل

ايهاب زكي

نَسَب السفير الإماراتي في واشنطن يوسف العتيبة إلى نفسه مقالاً، تم نشره بالعبرية في جريدة "يديعوت أحرونوت"، فالمقال حسب القناة 13 الصهيونية تم نشره عبر المنتج والمستثمر"الإسرائيلي"-الأمريكي حاييم صبان، وهو الذي طرح فكرة النشر في "يديعوت أحرونوت"، حيث اعتبر أنّ التوجه للمجتمع" الإسرائيلي" وبالعبرية أكثر نجاعةً، كما أنّ المقال خضع للقص والحذف والتعديل مراتٍ عدة وعلى أيامٍ عدة، ثم تم عرضه على البيت الأبيض وجاريد كوشنير قبل النشر، كل هذا حسب القناة العبرية، وحسب نفس القناة فإنّ صبّان اتصل بمحرر صحيفة "يديعوت" قبل أسبوع من نشره، على أن يبقى أمر المقال سراً في أروقة الجريدة، ثم تم تذييله باسم السفير. والطريف أنّ القناة نقلت هذه الكواليس عن مسؤوليين "إسرائيليين" لم يذكروا أسماءهم، وهذا دليل جليّ على أنّ المقالة بقيت سراً في أروقة الجريدة فعلاً، لذلك تفاجأ "الشاباك" و"الموساد" و"الجيش" ونتن ياهو صباح الجمعة بنشر المقال، خصوصاً أننا لا نعرف حين كان يقوم صبّان بالتعديل على المقال، أكان يتجهبذ أم يستشير جهةً ما.

وطرفة السرية هذه توازي طرائف الإعلام العبري في تناول المقالة، حيث اعتبرها البعض رسالة من الزعيم العربي الأقوى ولي عهد أبو ظبي، واعتبرها آخرون خطوة دراماتيكية تقترب من دراماتيكية زيارة السادات للقدس، واعتبرها البعض تحذيراً لنتن ياهو من الإقدام على خطوة الضم، كما اعتبرها آخرون تكذيبًا لما يقوله نتن ياهو من أنّ التطبيع لم يعد عربياً مرتبطاً بحلّ الدولتين، والحقيقة أنّ هذا الإصرار"الإسرائيلي" على تضخيم الاستنتاجات والتوقيتات، ينم عن أمرين لا ثالث لهما، الأول هو اتخاذ المقال كمنصةٍ لمهاجمة نتن ياهو في إطار صراع سياسي داخلي في الكيان، واعتباره فرصة للتصويب على سياسات نتن ياهو لأهدافٍ داخلية، وهذا بطبيعته امتداد لبعض الخلاف داخل الإدارة الأمريكية بين فريقي كوشنير وفريدمان، وبين أنصار الضّم الآن وأنصار تأجيله، أمّا الثاني فهو يتعلق بالسياسة "الإسرائيلية" تجاه التطبيع، وهل سيخدمها التراجع عن فكرة الضّم تحت وطأة تهديد "الزعيم الأقوى عربياً" حسب الرؤية "الإسرائيلية" له، أم سيخدم تلك السياسة الإقدام على خطوة الضّم رغم التهديد "الأقوى" للرجل "الأقوى".

في الاحتمال الأول أي التراجع عن خطوة الضّم، سيتم تسويق الأمر باعتباره انتصاراً عربياً، وتكريس فكرة الزعيم "الأقوى"، وحسب التوجهات الإماراتية المعلنة نحو "إسرائيل" فإنّ هذا التسويق والتكريس سيخدم العدو على المدى البعيد، حيث سيدخل التطبيع الإماراتي في إطار الحفاظ على الحقوق الفلسطينية، وأنّها الجهة الوحيدة القادرة على ممارسة الضغط على"إسرائيل"، وبالتالي تصبح الإمارات قطب الرحى في التوجهات العربية، أما إماراتياً فيتم إقناع الرجل "الأقوى" بأنّ "إسرائيل" هي السند في مواجهة تركيا وإيران وحتى قطر، كما ذُكر في المقال "بأننا - كإماراتيين وعرب - كنا نرى في "إسرائيل" فرصة لا عدو"، وطالما اعتبر الإعلام العبري أنّ الرسالة تقترب من دراماتيكية زيارة السادات للقدس، فقد يُعتبر التراجع "الإسرائيلي" عن خطوة الضم كنصر أكتوبر/تشرين أو كتحطيم خط بارليف.

أما في الاحتمال الثاني، حيث تقدم "إسرائيل" على خطوة الضم رغم التحذير الإماراتي، فهو ترسيخٌ للإحباط العربي، حيث إنّ "إسرائيل" لم تُقِم وزناً لـ"زعيمهم الأقوى"، وهذا في المقلب العربي المستسلم والمنبطح والذي كان يسمى يوماً "المعتدل" يكرس نظرية "الجيش الذي لا يُقهر"، ويصبح الفتات أو ما سماه المقال "الحكم الذاتي الموسع" أفضل ما يمكن أن تمنحه "إسرائيل" وأكثر مما نستحق، خصوصًا أن النهج الإماراتي لن يتغير بغض النظر عن خطوة "إسرائيل" التالية تراجعاً أو ضماً.

فالسياسات الإماراتية كما جميع المحميات تُرسم في أروقة "سي آي إيه"، وكان هذا الأمر واضحاً في كواليس المقال وبين سطوره، حيث يقول "من مبادراتنا تجاه "إسرائيل" قمنا بتصنيف حزب الله كمنظمة إرهابية وشجبنا إرهاب حماس"، فاستعداء حزب الله هو سياسة أمريكية نفذتها الإمارات للصالح "الإسرائيلي"، وهنا يتضح أن التصنيف الإماراتي للحزب لا علاقة له بالحرص على السيادة اللبنانية، ولا علاقة له بالتدخل في سوريا أو اليمن أو العراق، ولا علاقة له بارتباطات الحزب بإيران، هو فقط خدمة مجانية تقدمها الإمارات لـ"إسرائيل"، ويبدو كخلاصة، أنّ الولايات المتحدة تحاول إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، حيث لا يجد العرب أمامهم من خيارات سوى مركب الإمارات، كما بعد غزو الكويت وحرب الخليج الثانية، حين وجد العرب أنفسهم بلا خيارات سوى مدريد وما تبعه من أوسلو ووادي عربة.

الإمارات العربية المتحدة

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف

خبر عاجل