معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

ادارة موسم الحج في زمن كورونا: أما حان للسعودية أن تتنحى؟
04/08/2020

ادارة موسم الحج في زمن كورونا: أما حان للسعودية أن تتنحى؟

سناء إبراهيم

على غير طبيعتها في كل عام، جاءت مشهدية موسم الحج لعام 2020، وحلّ الركن الخامس من الإسلام بكثير من الألم، بفعل ما أرادته السلطات السعودية بتحكمها بالفريضة واستئثارها بإدارة المشاعر المقدسة. وأصرّت على إبراز فشلها مرة جديدة، في إدارة الموسم عبر قرارها الأحادي بتحديد أعداد المسموح لهم بأداء المناسك، في سابقة وصمت بها الرياض بسبب ما كالته من قرارات قبيل الموسم الذي جاء مقيداً بتداعيات انتشار وباء كوفيد 19، الذي عجزت السلطات عن احتوائه وحصر انتشاره ما انعكس على رسم خارطة أداء الفريضة في هذا الموسم المخصص لحجاج الداخل ضمن اشتراطات وقيود محددة.

ما بين أعداد محدودة ووسط قيود صارمة، اندفعت السعودية نحو تقييد فريضة الحج بغطاء فايروس كورونا، فحظرت دخول الأجانب من خارج البلاد، إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة، وحددت أعداد المسموح لهم بأداء المناسك بداية بألف حاج، ومن ثم ضاعفت الرقم عشر مرات، بعد أن كان نحو مليوني مسلم يقصدون المشاعر المقدسة في كل عام للمواطنين والمقيمين. كما تم تحديد سن أقل من 65 عاماً للذين سيسمح لهم بالمشاركة تحت مظلة الإجراءات الصارمة. لترتسم مشهدية غير مألوفة في الكعبة المشرفة أثناء أداء الطواف، حيث بدت مكة خالية من حجاجها في موسم ينتظره العالم في كل عام.

لا شك أن السعودية مرغمة على هذه الخطوة بفعل استمرار وباء كورونا بالتفشي في البلاد والعالم، إرغام يكشف عن مدى الخسائر التي تتكبدها الرياض الخاسرة اقتصادياً والتي تشهد تقلبات غير مسبوقة مع السياسات المتهورة المتبعة من قبل ولي العهد محمد بن سلمان. حُرمت "المملكة" من أموال الحج هذا العام، مع الانتكاسة التي ضربت الموسم، وضربت معه الموازنة العامة التي كانت تعتمد بنسبة تفوق 20% من تمويلها على السياحة الدينية، التي فقدت دورها هذا العام، مع فقدان الرياض لكثير من العائدات المالية وسط انغماسها بحرب أسعار النفط والتأثيرات التي انعكست عليها.

ادارة موسم الحج في زمن كورونا: أما حان للسعودية أن تتنحى؟
موسم الحج 2020

تعليقاً على قرار الحج المحدود، يقول الخبير في شؤون الشرق الأوسط في شركة "أكسفورد أناليتيكا" الاستشارية   ريتشارد روبنسون إن "قرار الحد من أعداد الحجاج يضاعف الصعوبات الاقتصادية التي تواجه السعودية"، وقد أشار إلى أن "الحكومة السعودية حددت السياحة كمجال رئيسي للنمو في إطار استراتيجية تنويع الاقتصاد، الأمر الذي ينذر بخسارة كبيرة بحيث تؤدي خسارة عائدات الحج إلى تعثّر القطاع من خلال فقدان الاستثمار أو الإفلاس"، إفلاس ألمحت إليه توقعات "صندوق النقد الدولي" التي حذرت من انكماش إجمالي الناتج المحلي للرياض بنسبة 6.8 في المائة هذا العام، وهو التوقع أو التقدير الأسوأ للأداء منذ ثمانينيات القرن الماضي.

ولأن الحج الاستثنائي كان هذا العام ضربة للاقتصاد الذي بات يعاني نزيفاً مستمرا لأهم مورد مالي له بعد النفط، فإن من حسنات الموسم أنه ما كان يبعث بكثير من الأرق والقلق لدى المسلمين في مختلف دول العالم من نتائج الموسم الذي يشهد حوادث دامية بصورة متتالية. وتحكي مشهديات الحج في كل عام عن مآسٍ يفرضها سوء التنظيم الذي تستأثر به السلطات وتمنع الدول الإسلامية من المشاركة في التنظيم والإدارة للمشاعر المقدسة في مكة المكرمة والمدينة المنورة، على الرغم من أن الدعوات لتدويل الفريضة تتواصل والانتقادات تزداد نتيجة الاستئثار السعودي بإدارة الأماكن وتحديد شروط للوصول إليها، وهو ما لا يروق لدول العالم الإسلامي، التي قرر الكثير منها، إعلان مقاطعة المشاركة في أداء الركن الخامس من قبل إعلان السلطات السعودية لقرار حصر الحج بالداخل، وبين هذه الدول كل من ماليزيا وإندونيسيا وغيرهما.

المشهدية المؤلمة التي فرضتها السعودية على موسم الحج 2020، بفعل قرارها الأحادي وعدم قدرتها على الحد من انتشار وباء كوفيد19 نتيجة سياساتها المهترئة وغير الناجعة، لم تكن الأولى في تغيير معالم الفريضة الأساس في الإسلام، إذ يكاد لا يخلو موسم من أحداث دامية، وقد شهدت بعض الأعوام حوادث أشبه بالمجازر التي تستمر تفاعلاتها إلى اليوم. في أيلول/سبتمبر عام 2015 وقعت أسوأ حادثة خلال الموسم وأودت بحياة نحو 2300 شخص بينهم 464 من الجنسية الإيرانية، حينها شرعت الباب على مصراعيه أمام الانتقادات الحادة الموجهة للرياض، واتهمت بعدم القدرة على تنظيم الحج، ونتج عن الحادثة أزمة دبلوماسية بين البلدين، قاطعت على أثرها الجمهورية الإسلامية الحج خلال عام 2016. ولم تكن الحادثة الوحيدة التي حصلت خلال الشهر نفسه، إذ استبقت بحادثة سقوط رافعة في الحرم المكي، وقضى بسببها 170 حاجا وأكثر من 200 جريح.

ولأن المواسم لا تخلو من الفواجع التي تكرّس بفعل سوء التنظيم المتبع من قبل السلطات السعودية والفساد الذي يتراءى بين زاوية وأخرى، فقد سجل كانون الثاني /يناير عام 2006، أحد الحوادث المأساوية مع انهيار فندق "لؤلؤة الخير" في مكة، وراح ضحيته  76 شخصاً، ولم تمضِ ستة أيام على الحادثة حتى قضى 364 حاجا نتيجة التدافع خلال رمي الجمرات، وخلال التدافع في منى سجل عام 2004 وفاة 251 حاجا، وسبقهم 14 حاجا بينهم ست نساء في اليوم الأول من رمي الجمرات2003، الحوادث التي تتكرر في مشهد رمي الجمرات وتتكرر الحوادث خلالها نتيجة انعدام المسؤولية السلطوية لتحسين الأوضاع هناك، فقد تسببت عام 2001 بتسجيل 35 وفاة، وأكثر من 118 وفاة و180 إصابة سجلت بحادثة المشعر عينه عام 1998. هذا، وتسبب اندلاع حريق ناجم عن انفجار موقد غاز في مخيم لإسكان الحجاج في منى، بوفاة 343 وإصابة حوالي 1500 آخرين، وذلك عام 1997، ولم يقل المشهد قتامة عن ثلاثة أعوام سابقة مع وفاة 270 حاجا أثناء رمي الجمرات، وحينها عزت السلطات الأسباب إلى أعداد المشاركين بالفريضة، في دلالة واضحة على انعدام قدرتها على التنظيم والإدارة.

الحوادث التي تكررت بالشكل المأساوي والمفجع، سجلت في عام 1990، مجزرة حقيقية مع وفاة 1426 من الحجاج معظمهم من دول آسيوية، قضوا نتيجة التدافع بعد تعطّل نظام التهوية في أحد الأنفاق الموصلة إلى منى. وفي عام 1989، سجلت مجزرة 16 حاجاً كويتيا الذين أعدمتهم السلطات السعودية بمزاعم إرهابية نتيجة تفجير وقع خلال الموسم ومن دون تحقيقات ارتكبت جريمتها بحقهم خلال الشهر الحرام. ولأن الإجرام يترافق وعهد السلطات السعودية، فكان لعام 1987، أن يسجل ارتكاب مجزرة بحق الحجاج، الذين لبوا نداء التظاهر لإعلان البراءة من المشركين، حينها اغتالت عناصر الأمن السعودي بسطوة القمع 402 من الحجاج، بينهم 275 إيرانياً، وليست هذه الحوادث فقط، بل كان للتاريخ أن يخط سجلًا حافلًا بالحوادث المأساوية المرتكبة على يد السعودية. وهذا ما يؤكد لدول العالم الإسلامي الحق في الدعوة المتواصلة والمصرة على سحب إدارة المشاعر من يد آل سعود، ومنعهم الاستئثار بتنظيم الفريضة، التي تتحكم بها الرياض، إن لم يكن بتحديد أعداد المشاركين أو ارتكاب المجازر بحقهم.

فيروس كورونا

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف