نقاط على الحروف
هذيان العجوز بولتون في عزلته!
بغداد - عادل الجبوري
يعرّف موقع "ويكيبيديا" التوثيقي على شبكة المعلومات الدولية (الانترنت) السفير ومستشار الأمن القومي الأميركي السابق جون بولتون بأنه "من هواة الحرب وتغيير الأنظمة بالقوة، هكذا تتصف سياسته الخارجية، حيث انه دعا لتغيير النظام في إيران وسوريا وليبيا وفنزويلا وكوبا واليمن وكوريا الشمالية، كما دعا مراراً وتكراراً إلى إنهاء الاتفاق النووي الإيراني وقد فعل، وكان من دعاة حرب العراق ولا يزال يدعم قرار غزو العراق".
بولتون المحسوب على تيار المحافظين الجدد، والذي يعد من جناح الصقور المتشددين في آرائه وطروحاته، شغل خلال الخمسة عشر عاما الماضية مناصب مهمة، وكان في بعض الاوقات من عناصر الحلقات الضيقة والصغيرة المعنية برسم وصياغة السياسات وصناعة القرار، ففي عام 2005 تم تعيينه بمنصب سفير لبلاده في منظمة الأمم المتحدة، ومن ثم اختاره الرئيس دونالد ترامب في عام 2018 لمنصب مستشار الامن القومي قبل أن يحتدم ويتصاعد الخلاف بينهما ليقوم بعزله بعد حوالي عام ونصف من توليه المنصب.
يقول المقربون من بولتون إنه غالبًا ما يتباهى بكونه يمتلك عقلية سياسية فذة وعمقًا في التفكير والتخطيط يضاهي ما يمتلكه السياسي المخضرم هنري كيسنجر.
ولعل التوقف عند تنظيراته وطروحاته بشأن العراق التي أوردها مؤخرًا عبر شاشة قناة "روداو" الكردية الممولة من الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي، تتيح الاحاطة بقدر أكبر بطريقة تفكيره ومنحاه السياسي المتطرف، الذي ربما تكون صحيفة "نيويورك تايمز" الاميركية قد لخصته بوضوح ودقة بالقول "الجيد بخصوص جون بولتون، هو أنه يقول ما يفكر فيه، والسيئ هو ما يفكر فيه".
ومن بين أبرز ما قاله وصرح به بولتون للقناة الكردية:
-"منذ فترة طويلة، أصبحت مقتنعًا بأن تفكك العراق شيء نافع، وعلى أميركا على الأقل أن تعترف بدولة كردية في هذا الجزء من كردستان الذي يقع ضمن إطار العراق".
-"لا توجد طريقة فعالة تضمن أن تظهر في العراق مرة أخرى حكومة كتلك التي ظهرت بعد الحرب العالمية الأولى وانتهت مع سقوط صدام حسين. أنا أرى أن الأمل في ظهور هكذا حكومة ليس واقعياً، وأعتقد أن سبب هذا هو أن هؤلاء لا يدركون أهمية استقلال الأمر الواقع الكردي في شمال العراق على مدى أكثر من خمس وعشرين سنة".
-"أرى أن أفضل حل هو عودة قوات التحالف كما حدث في 2018، إلى مثلث شمال شرق سوريا وشرق الفرات، وأن يتم إخراج القوة الجوية الروسية من هذه المنطقة، فطرد القوات العسكرية الروسية والإيرانية من هذه المنطقة، وكذلك إخراج قوات الأسد من تلك المنطقة".
وهناك اراء وافكار وتصورات طرحها بولتون في حديثه، وكلها تتمحور حول تقسيم العراق، وتحريض الاكراد على التحرك المتواصل بهذا الاتجاه، سواء عبر السياقات السياسية الدبلوماسية او من خلال توظيف ادوات القوة التي يمتلكونها، وتتمحور ايضا حول تعزيز الوجود العسكري الاميركي لاجل مواجهة ايران وروسيا وتركيا وسوريا، والعمل على اسقاط الانظمة والحكومات المعارضة للسياسات والتوجهات الاميركية، وفي مقدمتها الجمهورية الاسلامية الايرانية. بعبارة اخرى، يرى بولتون ان الخيار الافضل هو اغراق المنطقة بالحروب الاهلية والانقسامات والصراعات والانقلابات.
وقد يستغرب البعض من تصاعد الخلافات ووصولها الى حد القطيعة الكاملة بين بولتون وترامب، على اعتبار انهما في الاطار العام يتبنيان ذات المنهج التصعيدي المتشدد، بيد أن مطالعة دقيقة ومتأملة للكتاب المثير للجدل لمستشار الامن القومي السابق، المعنون (الغرفة التي شهدت الاحداث (The room where it happened، تكشف في جانب منها أن النزعات والطموحات الشخصية والغرور لدى بولتون اصطدمت بالمنهج الانفعالي والمزاجي المتقلب لدى ترامب وعدم احترامه واهتمامه بآراء الآخرين حتى من هم على شاكلته من دائرة مستشاريه والمقربين منه.
وفي جانب آخر منها، تكشف أن بولتون يمكن أن يكون قد تفوق على ترامب في نزعاته العدوانية الى الحد الذي كان ترامب يرى فيها خطرا على وضع ادارته ووجوده ومستقبله السياسي، رغم أنه لا يعارضها من حيث الجوهر والمضمون، ولأن الأخلاقيات لا مكان لها في عالم السياسة المحكومة بالمصالح والحسابات والطموحات الضيقة، لذا لم تكن غريبة حملات التسقيط المتبادلة بين الرئيس ومستشاره الامني السابق، التي بلغت تفاصيل مخجلة ومعيبة للغاية، وبينما لم يفلح ترامب في تشخيص مكامن شخصية بولتون وما يمكن أن يسببه له من متاعب حينما ينضم الى ادارته عبر موقع مهم وحساس الى حد كبير، فإن ساسة كبارا مثل المستشارة والوزيرة السابقة كوندليزا رايس، ووزير الحرب الاسبق روبرت غيتس، والسفير زلماي خليل زاد، نصحوا ترامب بعدم تعيين بولتون في أي منصب رفيع،.
بيد انه لم يستمع الى نصحائهم كما هو دأبه دائما، وبالتالي فإنه يكون قد شرب من نفس الكأس الذي يمكن أن يكون قد أذاقه لبعض خصومه وأعدائه ومنافسيه، علمًا أن اللعبة لم تنته بعد، لا سيما وأنها دخلت في دولاب السباق الرئاسي نحو البيت الابيض بين ترامب وغريمه اللدود جو بايدن، لكن في كل الاحوال، لا يبدو أن بولتون سيجني شيئًا ذا قيمة من تنظيراته وأطروحاته وأفكاره الشاذة، وهي في نهاية المطاف لا تعدو كونها ثرثرة وهذيانا لعجوز بلغ من العمر عتيا وهو يعيش في عزلة سياسية لن تكسرها كتب الفضائح ولا حوارات المكائد!
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
22/11/2024
الإعلام المقاوم شريك الجهاد والتضحيات
20/11/2024
ما بين عامَي 1948 و2024 ما الذي تغيّر؟
20/11/2024
أن تصبح سردية العدو شغل LBCI الشاغل!
18/11/2024
عن قائد كتيبة الإعلام المحارب..
16/11/2024