معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

إنها الحرب.. ونقاء بيئتنا لها
19/10/2020

إنها الحرب.. ونقاء بيئتنا لها

ليلى عماشا

"إنّها الحرب.. قد تثقل القلب" لكنّ في نسيجك من يسقط في عار استهدافك، من لا يخجل من النطق زورًا كما لم يتجرّأ يومًا حتى الذين من خارج النسيج.

"إنّها الحرب.."، ستشعر كفرد في بيئة الحب أنْ "ما خانك الأمين ولكنّك ائتمنت الخائن"، لكن لا بأس فأجمل ما في هذه المرحلة أنّ الغربلة تسقط كل الزؤان العالق في قمحك، وحين "لا يبقى إلّا الأندر الأندر"، ستكون وبصيرتك وصبرك في أعلى مراتب القوة وأعمق مرتبات اليقين بأن الحقّ أحيانًا كالجمر، لا يقبض عليه ويتمسّك به إلا أصحاب الوعي والحكمة والعشق.

من ناشط مغمور يسعى للشهرة إلى صحفيّ وضع لنفسه مكتبًا على التلّ بانتظار انجلاء غبار المعركة، ومن هواة تجميع "الإعجابات" الافتراضية إلى مرضى جذب الانتباه ولو عن طريق الشتم، تتعرّض بيئة المقاومة على مدار الساعة للاستهداف الرخيص: تلفيق الأكاذيب حولها، رميها بالافتراءات، اتهامها بالنقص، افتراض صبرها ضعفًا وبصيرتها مجرّد انصياع أعمى، وكلّ ما شابه ذلك من كلمات تشبه الناطقين بها وتفضح تيههم في دروب الخيارات، بل وأحيانًا تشير إلى تورطهم الفعلي في خدمة العدو عمدًا أو عن سابق جهل وسطحية.

ومن استهداف الأفراد وممارسة كلّ أشكال الإساءة بحقّهم إلى استهداف الرموز بحجة حرية التعبير، يزداد الضغط الذي يكشف إفلاس معسكر الأميركي وأدواته في محاولة جرّ هذه البيئة إلى مستنقعات الردّ بالمثل. لكن بدا في هذه المرحلة، أن عدم الردّ بدأ يوهم الصغار أن لهم الحق بالإساءة المباشرة ولو لفظيًا.

وتصحب الإساءات فرضيات نشأت وترعرعت في عقول أصحابها ولم تجد لها مكانًا على أرض الواقع، فتحوّلت تحت ضغط ضرورة ضرب بيئة المقاومة إلى أكاذيب وأوهام يحاول هؤلاء إسقاطها على كل من يرد عليهم ويكشف خلفياتهم. فإن ردّ شريف غيور على الإساءة لسماحة السيد نصر الله وطلب كشف ملابساتها، أو إظهار الأدلة التي تبيحها، يصوّره فصيل "الدونيين" كتابع أعمى لا يعي ما يقول، بل ويجردونه من حقّه التعبيريّ برفض الإساءات والتهم الباطلة. وهكذا، بمسار يبدو بسيطًا تتمّ شيطنة وتسطيح بيئة كاملة، بيئة تحوي أجمل وأطهر ما نما في هذه البلاد! ثمّ يستنفر المهاجمون وترتفع حساسيتهم الوطنية حين يخبرهم عاقل أن كلّ ما يقولونه يقع حكمًا في سياق الحرب على المقاومة، ويردّون بأن هذا التفسير لكلامهم يُعتبر تخوينًا صريحًا، بدون أن يلتفتوا برهةً إلى واجبهم بأن لا يتحدّثوا بما قد يُفسّر خيانةً صريحة!

قالها السيد نصر الله بوضوح شديد: "الصديق لا نقبل منه الاهانة والشتائم. ومن يتجاوز الاحترام وحقوق الاخوة فليخرج من صداقتنا ومن تحالفنا ومن أخوتنا.. فليخرج..". وهنا، لا تخوين ولا اتهام، ببساطة هو خيار حرّ بوضع قواعد التعامل مع الآخرين، مع كلّ من يصنّف نفسه صديقًا ويمنح نفسه الحق ببناء شهرة أو استجداء عروض عمل من الخارج عبر الإساءة للمقاومة وناسها، ومع كلّ من تبيح له سوقيّته التعاطي مع الملفات اللبنانية كما تشتهي السفارات أي تحت شعار "كلّن يعني كلّن" الشهير، ومع كلّ من سمحت وتسمح له دونيّته بالتحوّل إلى عاق يسيء إلى أهله كي يرضي أحدًا ما، أو كي يمنحه أحد ما شهادة حسن سلوك مرفقة بدور وظيفي مدفوع.

بالمحصلة هي سلوكيات لها خلفيات متعدّدة، بعضها ذاتيّ محض و"عفويّ" ناتج عن موقف لحظوي، وبعضها يتشابك مع آخرين ضمن خطة مدروسة ومسار واضح. إلّا أنّ المرحلة تحتّم على ذوي الخلفيات الذاتية والإساءات العفويّة أن يعيدوا حساباتهم برويّة، أن لا يخضعوا لأي مؤثرات لحظوية قد تفرضها حاجتهم إلى لفت النظر أو اثبات الوجود، أن يقيسوا كلماتهم بالمعيار الأخلاقي أولًا، ليس لشيء سوى للمحافظة على احترامهم لذواتهم. أما أولئك المنظمون في معسكر الهجوم على بيئة المقاومة، سواء من داخل نسيجها أو من خارجه، فليكذبوا قدر ما يشاؤون فهذا مورد ارتزاقهم، وليبذلوا أعلى جهدهم وكلّ كيدهم، فلم يكتب التاريخ يومًا عن ظلال خاوية حجبت الشمس أو غيّرت في صورتها.. بكلام آخر، هؤلاء لا يستحقون حتى جهد قراءتهم أو الردّ عليهم، ففي قرانا الجميلة الحرّة نقول: "الشمس طالعة، والناس قاشعة"..

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف