معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

23/11/2020

"المجتمع المقاوِم".. مذمّة أو مفخرة؟

ليلى عماشا

 

تردّدت في الآونة الأخيرة على مسامعنا عبارة "المجتمع المقاوم". وبدا أن هذا التوصيف الذي قد نفترض أنّه لا يحتاج للشرح قد دخل في بازار الاختلاف على المفاهيم، بل تشويه المفاهيم، في إطار الاستهداف الممنهج لمنظومة المقاومة.

- ما هو المجتمع المقاوم؟

يُخيّل للبعض، وللأسف، أنّ توصيف مجتمع بالمقاوِم يعني دخول كافة مكوّنات هذا المجتمع في خضم العمل العسكري المنظّم. وقد يصل خيال البعض إلى شكل من أشكال التهيؤات البصرية التي توهمه أن هذا المجتمع هو عبارة عن قاعدة عسكرية لكلّ من أفرادها عتاد من مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، وأنّ طبقاته الاجتماعية تتقسّم بحسب التراتبية العسكرية والخبرات القتالية. وفي حالات متقدّمة من الجهل المقترن بالعداء للمقاومة وبيئتها قد يحاول هذا البعض تصوير المجتمع المقاوم كفرق ببزات مرقطة ووجوه مموّهة.

قد يكون الجهل مبرّرًا في كثير من الأحيان، لكن عذر الجاهل يسقط ما إن يبدأ باستثمار جهله وتجاهل البديهيات الساطعة لغايات في نفس عوكر وملحقاتها. حينها، يصير من الواجب إعادة شرح البديهيات لإسقاط الحجة عمّن يتجاهلها. ولذلك، لا ضير من إعادة شرح عبارة "المجتمع المقاوم".

يعرّف علم الاجتماع مصطلح المجتمع على أنّه "مجموعة الأفراد التي تتشابه بالأفكار والمعتقدات والآراء واللغة والتقاليد والأعراف، ويعيشون داخل منطقة جغرافيّة محدّدة، كما تربطهم علاقات اجتماعيّة تولّد عمليّات التفاعل الإنسانيّ، حيث لكلّ فرد دور أو وظيفة معيّنة، تعمل على بناء الهيكل الاجتماعيّ الشامل". وإذا أضفنا صفة المقاوِم إلى المصطلح، يمكن القول إنّ المجتمع المقاوم يتشكّل من مجموعة أفراد يتشاركون الاعتقاد بفكرة المقاومة، يتحدثون بلغة مشبعة بالكرامة، يتبادلون الآراء المختلفة حول العمل المقاوم انطلاقًا من أرضية ثابتة وهي الإصرار على هذا العمل، يمارس كلّ منهم الدور الذي يجد في نفسه ما يؤهله له في خطّ المقاومة وتتراوح هذه الأدوار بين التنشئة والتربية البيتية إلى هندسات العمل على الجبهة، ومن كلّ مجالات العمل اليومي إلى كلّ مستويات العمل المنظّم في سبيل حفظ المقاومة. جمع هؤلاء يؤدي إلى تشكّل حتمي لبنية اجتماعية متماسكة وصلبة تُدعى بيئة المقاومة، ويستهدفها الغرب بشكل مباشر، أو عبر أدواته.

- ممّن يتشكّل المجتمع المقاوم في لبنان؟

ثمّة مستويات عديدة تحضر في الإجابة عن السؤال. هل هو تشكيل حزبيّ أو طائفي أو مذهبي أو طبقي أو...؟ ببساطة هو تشكيل أخلاقي قِيَمي. وقد يجد البعض في هذا التصنيف/ المعيار بعض الاستغراب. لكن إذا نظرنا إلى الأمور من منطلقات موضوعية وواقعية، نجد أنه عبر التاريخ كان الفعل المقاوم مرتبطًا دائمًا بمنظومة أخلاقية وقيمية يحملها المرء، ويتشاركها مع آخرين. منظومة تمنح حامليها قيمة إنسانية اجتماعية تتلخّص برفض الظلم والذلّ والانصياع وتتحلّى بالشجاعة وبالإيثار وبالتضحية، وتحفل بكلّ المفاهيم العليا التي تعزّز كرامة الإنسان وحرّيته. من هذا المنطلق، يمكن اختصار الإجابة عن السؤال أعلاه بجملة واحدة: المجتمع المقاوم يتشكّل من أفراد ومجموعات آثرت الكرامة على الذلّ، وتحلّت بالشجاعة حيث جبُن الآخرون، واتصفت بالتضحية بالدماء وبالأرواح وبكلّ المغريات من أجل الآخرين، كلهم. هو ببساطة تشكيل اجتماعي من ذوي الأخلاق النابعة من الفطرة، والمحصّنة بالوعي وبثقافة المقاومة.

- ما هي الأدوار المختلفة التي تتناغم في المجتمع المقاوم؟

يُقال إن العائلة هي الخلية المجتمعية، وإن جمع هذه الخلايا يؤلّف الجسد الاجتماعي. وهنا، نستنتج أن أحد أبرز الأدوار وأكثرها حساسية في تشكيل المجتمع المقاوم يقع على عاتق العائلة، وحين نقول العائلة نعني حتمًا دور الأمّهات، الأمّهات اللواتي يتهمهنّ الغرب وأدواته في عاطفتهن الأسمى، في أمومتهن، لأنّهن آثرن تربية جيل مقاوم ولو كلّفهن ذلك أن يحملن جبالًا من الفقد، وأثقالًا من الشوق ومن الوجع في استقبال فلذات أرواحهنّ شهداء، وفي انتظار خبر عن ابنٍ جُرح في المعركة، أو عن مفقود أثر.

يتكامل دور العائلة بل يؤسّس لكافة الأدوار الأخرى في العلم وفي العمل وفي السعي اليومي لحياة كريمة وفي المعاناة المعيشية في ظلّ الحصار وتواطؤ المنظومة المصرفية ولفيفها وصولًا إلى الدور القتاليّ والذي حظينا مؤخّرًا بمشاهدة بعض أسراره في السلسلة الوثائقية "أسرار التحرير الثاني".

إذًا، في المجتمع المقاوم، كلّ ما يقوم به الفرد ينبغي أن يكون خطوة في مسار العمل المقاوم، من التربية في البيت إلى الشجاعة قرب السواتر، ومن المهن والوظائف والشهادات إلى ترسيم خرائط خطط القتال وزرع رايات النصر.  تتفاعل هذه الأدوار فيما بينها وعلى كافة مستوياتها، ويولد من تفاعلها هذا نسيج اجتماعي متماسك يؤدي دوره الإنساني بكلّ حبّ،  دون منّة ولا استثمار.

-  "المجتمع المقاوِم" مذمّة أو مفخرة؟

لا شكّ أنّ الإجابة عن هذا السؤال تختلف باختلاف تموضع مَن يجيب وموقعه من الصراع. وبالتالي لا عجب إن سعى البعض إلى استنكار التوصيف أو تشويهه عبر إسقاط الافتراءات والتهيؤات حوله، أو ربطه بكلّ سوءٍ حدث أو قد يحدث واتهامه بما يعرف الجميع حتى الأعداء بأنه ليس فيه. هذا يشير إلى حقيقة تموضعه بالنسبة للمجتمع المقاوم.

ولا عجب أيضًا أن نكون نحن، من نستطيب توصيفنا ببيئة المقاومة، في صفّ المباهين بالانتماء إلى مجتمع يتحدّى الظلم بوعي وبصيرة، ويواجه بالصبر وبالقتال، ويهدّد، نعم يهدّد "اسرائيلهم" بالزوال، وسيزيلها.

المقاومة المجتمعية

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف

خبر عاجل