نقاط على الحروف
حوار العام والنقاط على الحروف
ايهاب زكي
لا يوجد في العالم الكثير من السياسيين والقادة، الذين لا يحتمل كلامهم أكثر من تأويل، كما هو كلام الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله، فهو الأفضل على الإطلاق في وضع النقاط على الحروف، وهو يختار اللفظ المناسب بدقةٍ متناهية للموضع المناسب، وكما أنّه لا يعرف التهويل فهو لا يعترف بالتقليل. وبعيداً عن الجيوش الإلكترونية شديدة السطحية، والتي تلاحق سفاسف الأمور وتعظّم صغائرها، وينطبق عليهم قول المتنبي "وتعظمُ في عين الصغيرِ الصغائرُ"، فإنّ العدو يرى عظائم الأمور في حديث السيد نصر الله، ويشعر بحجم المصيبة التي يعيشها كلما أطلّ السيد، حتى لو لم يوجه له كلاماً مباشراً، فكيف إذا فعل؟
كان العدو دؤوباً وحريصاً على أن لا يولد في محيطه قائد يتمتع بمزايا الإصرار والجدية والإخلاص، فمجرد وجود السيد نصر الله، تعتبره "إسرائيل" كابوساً يؤرق مصيرها، وإن وجه كلامه لها مباشرةً يصبح الكابوس أشد أرقاً فتصبح أشد قلقاً، ومؤسسة القرار في كيان العدو لا تتابع إعلام النفط، فضلاً عن أن تتابع جيوشه السخيفة على مواقع التواصل، الذين يحاولون إيهام الناس بضعف حزب الله وارتباكه، بل تعرف تلك المؤسسة أنّ الحزب يزداد قوة، وأنّ السيد يزداد عزيمة.
حين تكون السباع في حالة الشبع وتمر أمامها الفرائس، قد لا تلتفت إليها، أو قد تسخر منها عبر مداعبتها بكفٍ مطويّة المخالب، هذا ما تصورته حين قال السيد نصر الله عن وقوف العدو منذ خمسة أشهر على "إجر ونص"، "كم سيبقون مختبئين؟ ثلاثة أشهر أو أربعة؟ في النهاية سيخرجون وحينها..."، ثم أتبع هذه الجملة بابتسامة الواثق وكأنّه يداعب الفريسة، الفريسة التي عرفت أنّ عليها ألّا تسترخي، مهما كان الأسد متخماً بوجبات الانتصار، وعليه ستعود "إسرائيل" للاستنفار والوقوف على "إجر ونص"، كما لو كان الشهيد علي كامل محسن استُهدِف اليوم، وحديث السيد الواثق في هذه الجزئية وابتسامته العريضة، هو تأكيدٌ لما يقوله الإعلام العبري "إنّ نصر الله يستمتع بإذلالنا"، وستقرأ "إسرائيل" في محيّا السيد نصر الله، مدى استمتاعه بإذلالها. ولكن "إسرائيل" قد تتعايش مع الذلة إن ضمنت لها بقاءً، لذلك فإنّ ما كشف عنه السيد نصر الله في حوار العام على قناة "الميادين"، من أنّ لدى المقاومة ما لا تعرفه "إسرائيل" وما لا يمكن أن تدركه، وأنّه حين استخدامه سيفرح الأصدقاء وسيفجع الأعداء، هو الأشد مضاضةً من الذلة.
إنّ
فحين يقول السيد نصر الله إنّ "ابن سلمان حرض ترامب على اغتياله، وتكفل بدفع تكاليف الحرب الناجمة عن ذلك"، فأنت أمام حقدٍ سعوديٍ يراكمه الجهل وتراكمه البلاهة، فهذا ابن سلمان الذي يعتقد أنّ العالم يختٌ يستطيع شراءه، والسياسة قصر بالمال يمكن امتلاكه، وموازين القوى لوحة يمكن اقتناؤها، لا يستطيع التمييز بين لعبة "الببجي" وميدان الصراع الفعلي، ولا يمتلك أدوات التفكير المنطقي أو السلوك العقلاني، فلو كان يملكهما لأدرك سريعاً أنّ الحروب التي يحرض عليها ستكون وبالاً عليه أولاً، وأنّ الهروب الذي سيستطيعه في الساعات الأولى سيكون أكبر وأهمّ انجازاته، فلا أحد يملك عقلاً يستمر في حربٍ مهزومٌ بها على كل حال، ولكن ثمن الهزيمة اليوم أقل من ثمنها غداً، وغداً أقل من ثمنها بعد غدٍ، ولكن كما قال السيد نصر الله، "فالسياسية السعودية محركها الحقد"، وهذا الحقد بالذات هو ما تستغله "إسرائيل"، لتدفع بهؤلاء البلهاء إلى حتفهم، فهي قطعاً لن تحارب حروبهم، لأنّها عاجزةٌ أولاً، ولأنّها "إسرائيل" ثانياً، التي لا تعرف سوى الأخذ بجشع شايلوك، لكنها بعكس ابن سلمان تملك عقلاً لا يزال يعمل، وإن كان ينخره الخوف الذي اسمه محور المقاومة، وعلى ابن سلمان أن يستشعر هذا الخوف أيضاً حتى يستطيع استخدام عقله، فالمواجهة مع إيران ومحورها ليست حرب السنوات الخمس، بل هي الحرب الخاطفة للعروش والثروة وللحدود والخرائط، وليدرك أنّ أمريكا و"إسرائيل" لو كان باستطاعتهما خوض تلك الحرب، لما انتظرا منه تحريضاً، بل أمراً بالدفع عن يدٍ صاغرة فقط.
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
22/11/2024
الإعلام المقاوم شريك الجهاد والتضحيات
20/11/2024
ما بين عامَي 1948 و2024 ما الذي تغيّر؟
20/11/2024
أن تصبح سردية العدو شغل LBCI الشاغل!
18/11/2024
عن قائد كتيبة الإعلام المحارب..
16/11/2024