ابناؤك الاشداء

نقاط على الحروف

عجلة التطبيع العربي ـ الإسرائيلي تصعّد الحملات ضد حزب الله والمقاومة
05/01/2021

عجلة التطبيع العربي ـ الإسرائيلي تصعّد الحملات ضد حزب الله والمقاومة

محمد أ. الحسيني
أن تخرج أصوات النشاز في كل مرّة يطلّ فيها الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله على منبر المواقف فهذا أمر غير مستغرب في لبنان، بل هو طبيعي جدّاً ومتوقّع دوماً، وغير الطبيعي هو ألا ينعق غربان الشؤم بالخراب تحت عناوين باتت ممجوجة ومجترّة. وعلى الرغم من أن هجوم الغربان حافظ على الإطار ذاته من حيث تحميل حزب الله "مسؤولية ما وصل إليه لبنان"، إلا أنه جاء هذه المرّة بتركيز أكبر وبصخب أعلى، وصل إلى حدّ الجزم بأن أيام حزب الله باتت معدودة وأن نهاية هذا الحزب ومقاومته باتت قريبة!!

المقاومة عرقلت ابتلاع قضية فلسطين

المواقف نفسها تردُ اليوم على ألسنة الشخصيات نفسها التي نعقت ذات يوم من العام 2006 بأن مغامرة الـ "شويّة أنفار" سرعان ما ستنتهي بعد أن تنفّذ واشنطن قرارها بإنشاء ما يسمّى الشرق الأوسط الكبير أو الجديد الذي روّجت له آنذاك وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليسا رايس، ولكن انتهى رهان البعض عربي والبعض لبناني إلى ما انتهى إليه من هزيمة مدوّية على يد "الأنفار المغامرين"، وكان من المفترض أن تدفع هذه الانتكاسة بهؤلاء إلى أن يعيدوا حساباتهم في المعادلة السياسية الداخلية، ويعدّلوا من تموضعهم، ويصقلوا توجّهاتهم، إلا أنهم اختاروا التمترس خلف خيارات أدّت بالنتيجة إلى انقسامات عمودية وأفقية في الأطياف السياسية اللبنانية لا تزال تزداد عمقاً حتى يومنا الراهن.

لم يعد أحد يتوهّم أن هناك إجماعاً على خيار المقاومة في لبنان، بل إن الفرز أصبح اليوم بين مؤيد ومعادٍ، فيما الحياديون حائرون في أوراقهم ويترنّحون في الهوى بين الشرق والغرب ولا يستقرون على وسط. وما ساهم في بلورة هذه المعادلة الجديدة انسياق معظم العرب في سياق تطبيع العلاقات مع "إسرائيل"، وهو سياق كان ينتظر اللحظة المؤاتية للكشف عنه بعد أن تأخّر كثيراً، فالتاريخ يسجّل إقرار بني سعود وغالبية ممالك وإمارات الخليج للأمريكيين، في الواجهة وللصهاينة في الخلفية، منذ أن أُعلن ما يسمى "دولة إسرائيل" في العام 1948، ولكن النهج المقاوم عرقل مسار الحسم، وأبقى فلسطين شوكة حالت دون ابتلاع القضية، ولكن حكّام التطبيع استعجلوا الحسم في العهد الأمريكي الترامبي، بعد أن سكنوا إلى دجانة شعوبهم.

وعود أمريكية في لعبة الروليت

وها نحن اليوم في حمأة التصعيد السياسي، بعدما فشل مشروع "الثورة المتأمركة" في إعادة صياغة النظام اللبناني، نرى الطبقة الموصوفة بالدمغة الأمريكية تسارع إلى استلحاق دورها، لا سيّما بعد التقريع الذي سمعه أقطابها من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وتأكيده على الاتجاه لمحوهم من خارطة السياسة في لبنان. وها هم، بعدما ذَوَت الصحوة الماكرونية، يبادرون إلى ممارسة هوس إشعال الحرائق قبل انقضاء العهد الترامبي، معتمدين على إيحاءات تستعيد وعوداً أمريكية كاذبة سابقة بجلب المدمّرات والبوارج وحاملات الطائرات إلى الشواطئ اللبنانية، وهم يعلمون أن في ذلك رهاناً قد لا يجد طريقه إلى النجاح، إلا أنهم يؤكدون بصخبهم الفتنوي إصرارهم على خياراتهم، التي لم يعد باستطاعتهم تبديلها، فيقامرون في لعبة "الروليت" بلا ملاءة سياسية.

إذاً يتوعّد الغربان بألسنة الفتنة بأن حزب الله أصبح في آخر أيامه، ويتوجّهون بالنصح إلى الرئيس العماد ميشال عون بفكّ تحالفه مع حزب الله والمبادرة إلى إلغاء ورقة التفاهم بين الحزب والتيّار الوطني الحر لأنها السبب في ما وصل إليه لبنان، ويعتبرون أن صواريخ حزب الله الإيرانية هي لخدمة مشروع إيران، وبالتالي لا بد من التخلّص منها كنتيجة للتخلّص من سلاح المقاومة، ويؤكدون أن الحلّ الوحيد لقيامة لبنان هو في تنحّي الرئيس عون عن الحكم، وفرط المجلس النيابي باستقالة الكتل الممثلة فيه، وإجراء انتخابات مبكّرة تعيد خلط الأوراق وفرز القوى السياسية، وتمهّد لانتخاب رئيس يعتمد نهجاً مختلفاً عن النهج الحالي، ولا بد لهذا النهج أن ينحو باتجاه الحياد لإخراج لبنان من المعادلة الإقليمية والدولية.

خطاب الانعزال لخدمة "إسرائيل"

هذه هي الأجندة الجديدة ـ القديمة التي يصدح بها غربان السياسة في لبنان، وكأن هذا البلد معزول عن محيطه، لا يؤثر ولا يتأثر، ولم ولا يتعرّض للمخاطر الوجودية منذ أن تم رسم حدوده، ومنذ أن جرى تشكيل كيانه قبل مئة عام ونيّف من الزمن. ولئن كانت التهمة التي أطلقها الانعزاليون على المقاومة الفلسطينية بأنها كان تسعى للسيطرة على لبنان، فهل هي التهمة نفسها اليوم التي يطلقونها على المقاومة الإسلامية؟! إذا كان الجواب نعم، فإن المسألة لا تتعلّق بلبنان بقدر ما تتعلّق بـ "إسرائيل" فكلا المقاومتين ضد الاحتلال الإسرائيلي!! ولئن شنّ العدو اجتياحه عام 1982 لإبعاد خطر صواريخ الكاتيوشا الفلسطينية عن المستوطنات الصهيونية، فإن الاجتياح السياسي ضد صواريخ حزب الله اليوم، والتي هي موجّهة ضد الاحتلال الإسرائيلي، يتطابق إلى حد بعيد مع الهدف الذي سعت وتسعى إليه أمريكا لنزع مكامن القوة من يد اللبنانيين في مواجهة الأهداف الإسرائيلية العدوانية.

جعجعة بلا طحين

بات من الواضح انقسام الفئات اللبنانية حول خيار المقاومة وسلاحها، فهناك من يؤيّده ويدافع عنه باعتباره الحامي لسيادة البلد وقراره ولضمان استقراره، وهناك من يعاديه ويريد القضاء عليه ليجعل البلد معزولاً مشلول الإرادة ومكشوفاً أمام أي عدوان أو أي ريح آتية من واشنطن أو من تل أبيب، ويسخّر هؤلاء كل وسائل الدعاية والإعلام والإعلان ويهرقون الأموال الطائلة في شراء الأقلام والوجوه الإعلامية والشخصيات التي كانت حتى الأمس القريب تتبنّى خيار المقاومة وتدافع عنه، وكل ذلك بهدف توهين المقاومة وتأليب الرأي العام الداخلي ضدّها. ولا ينفصل هجوم الغربان التصعيدي المستجدّ عن أجواء التطبيع الذي تتسارع عجلته بقوة في هذه المرحلة الفاصلة من عمر الإدارة الأمريكية قبل تسلّم جوزف بايدن الحكم، بحيث بات مطلوباً وبإلحاح الانتهاء من تحقيق هدف شيطنة حزب الله والمقاومة ومن يتحالف معه تحت أي عنوان. ولكن هل يتحقّق هذا الهدف بالجعجعة والبعبعة أم أن هؤلاء مقتنعون بالفعل بأن متغيّرات كبيرة قد تطرأ تمهّد لبداية النهاية لحزب الله على حد قول البكّاء النحّاب؟ إنها أمنيات لن يروها حتى في أحلامهم فالمقاومة التي طالما أسقطت مشاريع أمريكا و"إسرائيل" بالأمس، قادرة في كل يوم على أن تجدّد الانتصار مهما جعجع هؤلاء وبعبعوا وأثاروا الغبار.

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف