نقاط على الحروف
"النهار" تتفجّع على "السيادة": إعلام عوكر
ليلى عماشا
للسّيادة معنى واضح في قاموس المعاني والمفرادت في اللغة العربية، ومفهوم واحد ومحدّد في علم السياسة. أما في لبنان، فالسيادة سيادتان منفصلتان تمامًا:
احداهما شعارٌ بلا مضمون، بل شعارٌ تمزّق فما عاد يكفي لستر ارتهان رافعيه للمحور الأميركي وخضوعهم التام لتعليماته وارتزاقهم "الإعلامي" الذي مسح ماء الحياء عن وجوههم فمضوا إلى المنابر ينضحون بخوائهم وينفثون سمّ "التعليمة" التي وردت إليهم.
أما ثانيتهما، فعزمٌ يضع العدو في مأزق من رعب وارتياب، وقوّة تردعه اذا ما فكّر بالعدوان المباشر، وكرامة مكتوبة بحبر الدم وعرق الجبين، وحقيقة يدركها بالفطرة أطفال بيئة المقاومة قبل أن يصبحوا رجالًا، ووفاء، وفاء أقل تجلياته صور ونصب تذكارية تشير إليه.
هذا السؤال الدرامي طرحته بكلّ جديّة روزانا بو منصف في عنوان مقالها الذي تضمّن "التعليمة" بشكل واضح وصريح: التعليمة التي صيغت بسياق مفكّك وحافل بالمغالطات والتي تجعل القارىء يتساءل إن كان المكتوب هو "نص صحفي" أو خاطرة مركّبة وردت في خيال يتسع ويضيق عبر "ريموت كونترول".
بلحظة، استحال كلّ من لبنان وفلسطين والعراق واليمن بحسب الكاتبة أشلاء ترفض شعوبها صور سليماني، حتى يُخيّل للمرء أن من رفعوا الصور حبًّا وامتنانًا ووفاء هم كائنات مريخية زارت هذه البلدان لرفع الصور ثمّ غادرته.
ببساطة، غشاوة التعليمات أعمت بصائر المتأمركين كلّهم عن الآلاف الذين احتشدوا في طريق مطار بغداد لإحياء ليلة ذكرى القادة الشهداء، وعن أهل اليمن الذين رغم العدوان عليهم رفعوا الصور تحية لروح قاسم سليماني وما يمثّل، وكذلك عن أهل غزة المحاصرين الذين يعرفون تمام المعرفة أن السليماني هو شهيدهم.. لم يرَ هؤلاء إلا زملاء لهم وأدوات تعمل عند مشغّلهم نفسه فسمّتهم شعوبًا.. لا بأس، فهؤلاء لا يرون في أهل المقاومة في لبنان جزءًا من اللبنانيين، لذلك اعتبروا أن كلّ الفعاليات التي أُقيمت في الضاحية وفي المناطق والتي حاول من خلالها الناس التعبير عن الحب والشكر والوفاء لقاسم سليماني الذي صنع مع المقاومة نصر لبنان في حرب تموز والذي كرّس مفهوم السيادة في هذا البلد، وجعله حقيقة ملموسة بعيدة عن فراغ الشعارات.
ولم نجد بينهم من يعتبر الحرب الاقتصادية التي تُشن على لبنان اعتداءً على سيادة الدولة، بل على العكس، تحوّلوا إلى أبواق تردّد ما يقوله الأميركي، إلى درجة تولّي الهجوم المنظّم على كلّ ما يمتّ إلى التحرّر من الهيمنة الاقتصادية بصلة ولا سيّما الحملة المنظّمة ضد مؤسسة القرض الحسن. كذلك، شهدنا جميعًا كيف تولّى "السياديون" دور كسر القرار القضائي اللبناني بحقّ السفيرة الأميركية وعمدوا إلى التسويق لها ولأقوالها الفتنوية الوقحة.
كان يمكن أن تبدو هذه الحركة الإعلامية النشيطة ضدّ الوفاء لسليماني وللجمهورية العظمى في إيران مجرّد حركة فردية شوفينية تتمسّك بوهم الحياد وتريد لهذا البلد أن يكون منفصلًا عن تاريخه وعن موقعه الجغرافي وعن مصالحه، إلا أن من تولوا التنظير لها لم يلتفتوا لأهمية تغليف ارتزاقهم ولو بموقف "سياديّ" حقيقي واحد يخفي تأمركهم قليلًا، أو على الأقل يشي بفهمهم الحقيقي لمعنى السيادة كمفهوم سياسي له أدواته وتجلياته. على العكس، أصرّوا بشكل واضح على الاستخفاف بعقول الناس عبر ارتدائهم الثوب الأميركي الذي ينتهك سيادة الدول ويستبيح الأرض والمقدّرات، ثم وقوفهم محاضرين بأهمية السيادة، ومحرضين رئاسة الجمهورية في محاولة لإحراج الرئيس ميشال عون عبر اللعب على الوتر الطائفي والمطالبة بموقف يعادي الوفاء لشخصية ولرمز ولشهيد ولدولة بذلت وتبذل كلّ ما يمكن في سبيل رفع الهيمنة عن بلادنا..
وبعد، قيل قديمًا "إن لم تستحِ فافعل ما شئت"، وفي عالم الصحافة تُستبدل "افعل" بأفعال كثيرة، فيصير المثل "إن لم تستحِ فقُل ما شئت، أو اعرض ما شئت، أو اكتب ما شئت...". وإن كان من عادة المرتزقة أن لا يستحوا، فلا بدّ أنهم سيقولون ويعرضون ويكتبون ما شاؤوا، لكنّ ذلك لا يغيّر في الحقيقة شيئًا، ولا يغيّر حتمًا في معاني الكلمات والمفاهيم. وبالتالي، تبقى أجمل وأعلى وأرقى معاني السيادة تتجلّى في الوفاء لمن شارك في صنعها وصانها ورفعها إلى حيث يُضطر الأميركي إلى تشغيل ماكينة اعلامية كاملة للتضليل والتشويه، فيخيب، ويخيبون.
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
22/11/2024
الإعلام المقاوم شريك الجهاد والتضحيات
20/11/2024
ما بين عامَي 1948 و2024 ما الذي تغيّر؟
20/11/2024
أن تصبح سردية العدو شغل LBCI الشاغل!
18/11/2024
عن قائد كتيبة الإعلام المحارب..
16/11/2024