نقاط على الحروف
"ابقَ معي": مرويات لمسعفين حربيين
محمد علي
"الجميع يخلي منطقة الحدث إلا المسعف، فإنه يتقدم الى قلب العاصفة". - المسعف نور -
ما معنى أن تكون مسعفًا حربيًا؟ لا يتعلق الأمر بأن تكون طبيبًا أو ممرضًا شجاعًا ترتدي الزي العسكري، وتتعلم فنون الحرب، هو أن تصل إلى الجريح في أسرع وقت عندما ينسحب الجميع، أن تكتشف حجم جراحه، أن تبقيه مستيقظًا لا يفقد وعيه، وأن تكون ذلك الصلب الذي يبث الأمل فيه وفي رفاقه.
كلها مقدمات لا بد منها، لكي تتمكن من أن تسعف جريحًا في أرض المعركة، ولتكون الرحمة التي تحلّ عليه في ساحة النزال.
"ابقَ معي"(1) عنوان ذكي يلخص كتابًا حول روايات المسعفين الحربيين، وينقلك معهم في رحلة جهادية انسانية وقصصية من صحراء البادية (في الحميمة ومحطة الـT2 وعسال الورد) والبوكمال إلى القلمون (تلة التلاجة وتلة موسى) حتى ثلوج جبال يبرود في سوريا. إنّها أحداث تجعلك تدرك البعد الإنساني للمعركة.
وبخلاف معظم الأعمال الأدبية والفنية التي تتناول الحرب، وتقدم المسعف الحربي كفرد ذي حس عاطفي وإنساني يرفض القيام بدور غير الإسعاف، ولا يرفع سلاحه حتى، يُبْرِز هذا الكتاب النموذج الخاص للمسعف الحربي في جبهات المقاومة، فهو المقاوم والطبيب والمشتبك والفدائي والإنسان، وستشْهَدُ، وأنت تتنقل بين صفحاته، تجربة متفاوتة على مستوى المشاعر والأحاسيس.
في هذه المرويات القصيرة للمسعفين، ترى الأبطال الحقيقيين، أولئك الذين يجب أن نحفظ قصصهم، وأن نرويها وندونَها، لتكون نجومًا تنير طرقنا وكل تفاصيل حياتنا. تتعرف فيها على "عباس العاشق"(2) وتصبح من عشاقه، بعد أن سمعت المسعف يروي لك حديث العيون بين العساكر والجنود، وهي تلاحق قائد عملياتهم منذ لحظة إصابته حتى لحظة ارتقائه شهيدًا في المستشفى الميداني. هذا ما تصنعه هذه المرويات بالقلوب.
ثم تنتقل إلى المسعف الثاني في تلال القلمون، لتكتشف معه سحر ذلك الحالم. إنه ساجد الطيري(3)، وأولاده الذين دوّنوا اسمه على صخورها؛ لم يكونوا أولاده الفعليين، وربما كانوا إليه أقرب، كانوا المقاتلين في سريته، وكانوا ينادونه "يا بييي"، فكتبوا "أفراد سرية الحاج ساجد الطيري، الذي أبى إلّا أن يفدينا بروحه".
وتختم رحلتك باللقاء بشهيد ابن شهيد، فتتعرف على علي أحمد يحيى(4)، ابن الشيخ أبو ذر(5)، العارف في الجهاد والجبهات والدشم، وسيستشهد في التاريخ ذاته لاستشهاد والده، لكن بعد 15 عامًا. إنّه 25 أيار، المُعَمّد بالدم، الثابت في الجغرافيا العابرة لجبهات القتال، من رشاف في جنوب لبنان إلى تلال القلمون في غرب سوريا.
—-————————-
"ابقَ معي" انتاج صغير، من حوالي مائة صفحة، أحسن الإخوة والأخوات في مركز إحياء التراث المقاوم توثيقه وحفظه وتدوينه، ليكون الإصدار الرابع في سلسلة الأوفياء، بعد أن افتُتِحت السلسلة بكتاب "جواد فارس الجنوب" (عن القائد الثوري سمير مطوط)، وتلاه فيها "منتصر" (عن الشهيد الجامعي محمد جوني") و"أنا اخترتك" (عن الشهيد القائد أحمد شعيب).
1- كتاب : ابقى معي, إصدار: جمعية إحياء التراث المقاوم, للكاتبات: بتول دولاني- زهراء ريحان - سناء صفوان, صدر عام 2019 بالتزامن مع معرض قربان -سفر النور إلى محضر العشق- في مجمع الإمام الحسين في صور .
2- علي الهادي العاشق - الحاج عباس العاشق- استشهد في بادية تدمر في سوريا عام 2017.
3- الشهيد جميل حسين فقيه -ساجد الطيري- استشهد في تلة حرف الثلاجة في جبال القلمون غرب سوريا في عام 2015.
4- الشهيد الشيخ أحمد حمد يحيى -الشيخ ابو ذر- (1958 - 2000) استشهد في يوم الانتصار والتحرير في بلدته رشاف في 25/05/2000 .
5- علي أحمد حمد يحيى - أبو ذر- ابن الشيخ أبو ذر استشهد في منطقة القلمون في غرب سوريا في 25/05/2015 .
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
22/11/2024
الإعلام المقاوم شريك الجهاد والتضحيات
20/11/2024
ما بين عامَي 1948 و2024 ما الذي تغيّر؟
20/11/2024
أن تصبح سردية العدو شغل LBCI الشاغل!
18/11/2024
عن قائد كتيبة الإعلام المحارب..
16/11/2024