نقاط على الحروف
القدسُ أقرب.. "لديّ يقين بذلك!"
ليلى عماشا
ليلُ القدس انتفاضة، والانتفاضة عرس سيّدة المدائن وابنة التراب الكريم المقدّس. ومَن كالقدس يحيي الليل حُبًّا وتسابيح حريّة!
تمرّ إلينا المشاهد الآتية من خلف أسوار الاحتلال، وتعبر فينا إلى خلف الحدود. ذهبنا إلى القدس جمع قلوب تهتف مع الهاتفين: "حُط السيف قبال السيف" وتجمع في صرخة واحدة لهفات عامل وعزّ اليمن ونبض الشام وكرم العراق وهيبة الجمهورية التي وهبت على حبّ القدس عزيزها قربانًا. احتشدنا بالقرب من ساحة يعلو فيها صوت يجمع في هتاف واحد كلّ أصوات الشّهداء. بكينا برهة وبدمع خجول رسمنا شارة النصر وشمًا في العين.
عاصمة فلسطين تكتب بلغتها الزمان، فيصير الليل ساحة ضوء يظلّل وجه المنتفضين، والصرخة كتيبة عشق في جيش الفداء، وكلّ عشق سماه القدس ينتصرُ.
في العتم بدت وجوههم أقمارًا تقطف الحبّ عن غصن التّعب، وتحيله حجرًا يرجم المحتلّ، ويرصف الدّرب كي تمرّ قافلة الشهداء وتلقي على أرض الطهر التحية.
بالأمس اشتبك باسل الأعرج مجدّدًا، وابتسم بين الجموع فتحي الشقاقي وجاء من طرف الزقاق فارس عودة بحجره الطفل وكل سمات الرجولة في وقفته إذ يرجم جيش المحتلّين، وعلا صوت محمد ضيف ويحيى عيّاش. بالأمس مشى في القدس سليماني، وقيل رأوا في الحشد طيف مغنية.
أخذتنا الصور في الليل إلى هناك. العطر الأخاذ الذي يفوح من الحناجر آسر، كان دليلنا إلى المكان الذي فيه حطّت أرواح الشهداء قبلةً قبل العبور إلى السماء.
مضينا على صهوات الشوق واللهفة إلى حيث الوطن لغة حروفها السلاح وأصواتها الدم والعزّة. مضينا إليها محمّلين بزخات النبض الذي يحاكي الرصاص، يودّ لو يكونه، وفي أيدينا حقائب وضّبنا فيها الحجارة والسكاكين عسى في الطريق تعثرنا بفرصة التحام مع المحتلّ. لم نأخذ معنا خبزنا، فخبز القدس المطعّم بالحكايات وبالصبر أشهى.
كان الصهاينة، جنودًا ومستوطنين، يركضون أمام سيل الغضب، يحتمون من رشقات الحزن المقدسيّ المتفجّر بدروعهم الواقية ووهمهم بالتفوّق الآيل للسقوط. وكانوا كما في كلّ يوم مدجّجين بكل حقدهم، والحقد حمولة تربك حاملها في ساعات المواجهة. لذا رأيناهم مربكين بجبنهم، تائهين في صحارى خوفهم، وزائلين.
شهدنا هناك، في ليلها، كيف تتولّد من جدرانها الشموس وكيف يحتمي في حضن منازلها القمر، ورأينا الحياة بأبهى معانيها تفيض على الوجوه ومن الوجوه، لتستحيل كل العيون فلسطين.
ليست أولى الانتفاضات وليست حتمًا آخر المعارك، لكنّها ليلة انتزعت من صدر المحتل ساعة حريّة، ومضت بنا إلى حقيقة لا تشيخ ملامحها: القدس وجهة الأحرار وأرض الحرية، وأعادت على مسامعنا صدق سيّدنا الأمين حين قال: "لديّ يقين بذلك".
القدس أقرب، وفي كلّ يوم تقترب أكثر. لكن في ليل أمس أمكن أن نلامسها بكفوف القلوب فيسري إلينا دفء شوقها إلى صبح طال انتظاره، وأمكن أن نجول في أزقتها عبر عيون الغاضبين ونشرب منها الضوء دمعًا وفرحًا. سمعنا صوت ترابها يعلو رغم اختناقه بكلّ ما دسّه المحتلّ من صخور بين أوتاره، وبكل ما سكب الصهاينة من نار في حنجرته وبكلّ ما زرعه فيه المطبّعون من سكاكين غدر وخذلان متفجّر. بالأمس، أخذتنا القدس إليها في زيارة، كي تعرّفنا على رائحة الطريق وتخبرنا أن العودة أمر محتوم، وأنها أقرب، حتمًا أقرب.
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
25/11/2024
بيانات "الإعلام الحربي": العزّة الموثّقة!
22/11/2024
الإعلام المقاوم شريك الجهاد والتضحيات
20/11/2024
ما بين عامَي 1948 و2024 ما الذي تغيّر؟
20/11/2024
أن تصبح سردية العدو شغل LBCI الشاغل!
18/11/2024