نقاط على الحروف
دسّ العسل في سم "الدراما": الهدف شيطنة المقاومة
وائل كركي
تشكل دراسة مؤسسة "راند" الأميركية وصفحاتها المائتان والسبعون التي يدرس الباحثون الأميركيون فيها عوامل ضمان التأييد الشعبي لحركات المقاومة وما خرجت به من توصيات لمؤسسات الأمن القومي الأميركي، المفتاح لفك شيفرة وضع استراتيجيات مناسبة لضرب هذا التأييد وإفقاد التنظيمات ركيزتها الأولى.
ولضرب هذا التأييد، تقول الدراسة إن الأداة الأجدى هي الميديا، والعمل على شيطنة حركات المقاومة. مال وفير، سيناريو وشبكات تلفزيونية، شركات انتاج عربية ربيبة السعودية ورفيقة حكام الخليج العربي. في العام الماضي برز مسلسل "ام هارون" الذي عرض على أهم القنوات العربية والذي يحكي قصة القابلة اليهودية في أربعينيات القرن الماضي، فكان بمثابة التمهيد المباشر لبدء حركة التطبيع المشؤومة.
مراقبة عينات من الأعمال الدرامية التي يبث جلها في شهر رمضان المبارك يمكن أن تتيح ملاحظة السياق والاتجاه الحاكمين في الإنتاج: ضرب بيئة المقاومة وشيطنتها، التدليس والافتراء كرمى لعيون كل من لا يطيق المقاومة ويريد بها شرًا، ففكرة "تنميطة" حصر التفلت من النظام بفئة معينة تكفل بها مسلسل "الهيبة" مثلًا، من خلال ممثلين محببين وسيناريو مليء بتفاصيل الشيطان.
أما مسلسل "دفعة بيروت" والذي وفق ما قدمه منتجوه على أنه رسالة إلى كل من خرب بيروت، فيصور بيروت عاصمة الانفتاح والتطور ما جعلها محط أنظار وحلم الشباب العربي بين الستينيات والسبعينيات، أي ما سبق مرحلة الكفاح المسلح وبدء العمل المقاوم، فبيروتهم لا يليق بها حمل السلاح والدفاع عن الشرف بل تستهويهم تسميات أخرى لها لا نذكرها.
سينال المقاومون في قطاع غزة نصيبهم أيضًا من هذه الحملة الممنهجة والتي لا تقرب الصدفة: المسلسل المصري "موسى" والذي يعرض هذا العام، سيأتي "بطله" بالمخدرات من غزة ليتبين لنا في السياق الدرامي أن قطاع غزة هو "وكر للمخدرات".
الكلمة المفتاحية في هذه الحملة هي المخدرات، والتركيز على شيطنة كل بقعة مقاومة وتصويرها على أنها أوكار مخدرات وموبقات، وأغلب من يكتب السيناريو ينتمي الى هذه البيئات عضويًا لا ايديولوجيًا، وهنا يكمن الخبث.
مسلسل "عشرين عشرين" كان الأوضح في التجني على بيئة المقاومة، وبعيدًا عن فكرة المؤامرة، هناك تفاصيل شاهدها كل من يتابع المسلسل وقد أفردنا مقالًا حولها بدءًا من العبارة - الرمز "فجّر يا علاء" مرورًا بالمسجد وصوت الأذان وفريضة الحج التي تشكل كلها "غطاء" اجتماعيًا لتجّار المخدرات وصولًا الى راية حزب الله في خلفية الحيّ الذي تدور فيه شبهات التجارة بالمخدرات.
المنظّر للقوّة الناعمة جوزيف ناي حدد بشكل جليّ مكونات هذه القوة، ومنها الدراسات والبعثات داخل الولايات المتحدة، والأفلام والبرامج التلفزيونية، والبحوث والدراسات، والفوز بجوائز نوبل، والمسلسلات التي تنتجها شركات تمويلها معروف وأهدافها معروفة، الإفساد وغرس قيمي ينافي معتقداتنا وثقافتنا، والرمي مباشرة اليوم على كل حركات المقاومة وشيطنتها وزجها بإطارات بعيدة كل البعد عنها، علّها تخلق بعض الآراء الهجينة التي تصبح فيما بعد تيارًا معارضًا لحركات المقاومة، فهو البديل المطروح اليوم لإنهاء حركات المقاومة بدل الحديد والنار.
من الواضح أننا لن نشاهد في الفترة المقبلة عملًا دراميًا تاريخيًا أو دينيًا، فالمال كله سيسخّر في خدمة أجندة سياسية معيّنة هدفها الأول والأخير تأليب الرأي العام على حركات المقاومة وتصويرها كمسبب للأزمات المالية والخراب الذي يلحق ببلادنا وكمافيات مخدرات وغيره، ومع غياب فاعلية "الانتاجات المضادة" وما يفترض أن تقدمه من مسلسلات وأعمال فنية، ينبغي الحذر والدقة، فدسّ السم في عسل الدراما سيرتفع منسوبه.
كل هذه الانتاجات الدرامية تحتاج الى أموال وتخطيط ممنهج وهندسة اجتماعية ستكون المسلسلات إحدى أهم دعائمها، الريال موجود والدولار الاميركي موجود ايضًا، وسيتسابق كل من يكره المقاومة لينتج عملًا دراميًا ساعيًا لتشويه صورة بيئتها، فسوق نخاسة الإعلام مفتوح والراعي موجود والأدوات كذلك، العمّ سام يبارك ويوجه وطال عمره يدفع.
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
25/11/2024
بيانات "الإعلام الحربي": العزّة الموثّقة!
22/11/2024
الإعلام المقاوم شريك الجهاد والتضحيات
20/11/2024
ما بين عامَي 1948 و2024 ما الذي تغيّر؟
20/11/2024
أن تصبح سردية العدو شغل LBCI الشاغل!
18/11/2024