نقاط على الحروف
تموز فلسطين جاء في أيار
ايهاب زكي
قد يكون من السابق لأوانه الحديث عن تموز فلسطين قبل أن تضع الحرب أوزارها. لكن لا ضير في استباق الأحداث على سبيل الاستشراف، حيث إنّ التاريخ هو مرآة الحاضر وطريق المستقبل. وبما أنّ عدوان تموز على لبنان كان مفصلاً تاريخياً، فالتاريخ بعده ليس كما قبله، ومسار الصراع بعده ليس كما قبله، والأهم أنه حسم النتيجة النهائية للصراع ولو كنتيجةٍ مؤجلة، لكنها أصبحت يقينية، وهي زوال الكيان الصهيوني عن خارطة المنطقة، وسيصبح مجرد تاريخ وحدث عابرٍ لشتاتٍ عابر. وما يحدث اليوم في فلسطين المحتلة وخصوصاً المعركة في غزة، هو مفصلٌ تاريخي، لن يكون ما قبله كما بعده، ولن يكون مسار الصراع قبله كما بعده، وكذلك هي معركة عززت حسم نتيجة الصراع، فقد أصبح زوال الكيان الصهيوني أقرب مما ظنَّ الكثير. المعركة في غزة خلخلت قدرة الكيان على توهم الأمان على المصير أو حتى افتعال التوهم.
في تموز عام 2006 بدا المشهد وكأن الحرب اندلعت على إثر قيام حزب الله بعملية أسر لجنديين صهيونيين، وهذا ما جعل بعض استسلاميي النزعة انبطاحيي الخلق، يعتبرون حزب الله مغامراً، حيث إنّه افتعل معركة وحرباً بلا دواعٍ وجيهة، ولكن الحقيقة التي ثبتت بعد ذلك، أنّ الحرب كانت واقعة بكل الأحوال، وأنّ الكيان كان يحضّر للحرب ويستعد لها، ولم يتبقّ سوى اختيار التوقيت المناسب للبدء بها، فجاءت عملية الأسر كذريعةٍ اتخذها العدو للبدء بتنفيذ مخططه بسحق حزب الله، وهذا بالضبط ما حدث في غزة، حيث اتخذ العدو من قصف المقاومة الفلسطينية للقدس، ذريعة لبدء العدوان على غزة، فيما أقرّ رئيس أركان العدو بأنّ هذه العملية في غزة كانت مقررة سلفاً، وأنّهم قاموا بالمناورات والتدريب طويلاً لتنفيذها، وهنا أيضاً لم يغير موقف الاستسلاميين المنبطحين، حيث يصرّون على تجاوز ما يحدث في غزة، والقفز لما يحدث في القدس، وهو ما يعني أنهم في حالة رضى عن العدوان وآثاره، وينتظرون من العدو الصهيوني القضاء على حركات المقاومة في غزة، كما كانوا يفعلون في لبنان عام 2006، بتشجيع العدو على سحق حزب الله.
دخلت "إسرائيل" حرب تموز عام 2006 بسقوفٍ سياسية وعسكرية عالية، حيث اشترط مستواها السياسي والعسكري لوقف العدوان، استعادة الأسيرين بلا شروط ونزع السلاح، وكان الهدف الخفيّ لتلك الحرب حسب المخطط الصهيوأمريكي، هو القضاء على المقاومة في لبنان، كمقدمةٍ ضرورية لاستيلاد شرق أوسطٍ جديد، حسب ما أعلنته كونداليزا رايس، وزيرة الخارجية الأمريكية في حينها، من بيروت. واليوم في غزة كذلك، دخل العدو معركته بسقوفٍ عالية سياسياً وعسكرياً، حيث أعلن قادته أنّ الهدف هو تحقيق أمانٍ للمستوطنين لأطول فترة ممكنة، وإفقاد فصائل المقاومة الفلسطينية، القدرة على استهداف المستوطنين، وهذا يعني سحق القدرات العسكرية لفصائل المقاومة على سبيل الأهداف المعلنة، أما على سبيل الأهداف الخفية لما أعلنه أفيف كوخافي عن التحضير لهذه الحرب، فهو يتناغم مع فكرة استيلاد شرق أوسطٍ جديد، حيث إنّ القضاء على المقاومة في غزة، سيُشكل رافعةً لعملية التطبيع و"الأسرلة" الجارية على قدم وساق في المنطقة. تغييب قضية فلسطين تمهيداً لتصفيتها مرةً واحدة وللأبد، يتطلب إعلاء صوت من يُسموّن بالمعتدلين كما قال نتن ياهو، وإخماد صوت المقاومين، وهذا يأخذنا مباشرة لتواطؤ ما يسمى بالمجتمع الدولي، حيث كان يعطي "إسرائيل" الوقت اللازم لتنفيذ المخطط المرسوم سلفاً، رغم كل جرائم الحرب التي يرتكبها العدو في لبنان، وهذا ما يفعله المجتمع الدولي نفسه الآن في غزة، حيث إمهال "إسرائيل" ومدّها بكل الوقت الكافي لإنجاز المهمة، لكنه العجز "الإسرائيلي" ذاته عام 2006 في لبنان، وعام 2021 في غزة.
وبعد أن تحوّل العجز "الإسرائيلي" عن تحقيق الأهداف في تموز 2006، سارع ما يسمى المجتمع الدولي لإنقاذه بالمسارعة للتوصل إلى وقفٍ لإطلاق النار، دون تحقيق أيٍ من الأهداف المعلنة، والأخطر دون تحقيق الأهداف الخفية، وفي غزة اليوم لا زالت "إسرائيل" في مرحلة العجز عن الحسم وبعض الألم، ولكن متى تحوّل العجز إلى ألمٍ محض، سيسارع ذات المجتمع الدولي إلى إنقاذ "إسرائيل" والسعي لوقف أطلاقٍ للنار، مع التخلي المفرط عن تحقيق الأهداف المعلنة والخفية معاً، ثم البحث عن وسائل ومسارب أخرى، كما فعلوا بعد هزيمة تموز 2006، حيث لجأوا للإرهاب ومخطط تفتيت الجيوش وتقسيم الدول العربية. ورغم أنّ العدو حتى اللحظة يتجنب المعركة البرية في غزة، لأنّ كابوسها في لبنان عام 2006، لا زال ماثلاً في العقل العسكري"الإسرائيلي"، فإنّ حماقة الإقدام عليها، ستغيّر وجه المنطقة للأبد. ولكن الأهم هو أنّ عدوان تموز2006 وحسب نتائجه، جعل منه الحرب ما قبل الأخيرة لزوال "إسرائيل" في حال فكرت بإعادة العدوان على لبنان، وهذا بالضبط ما ستسفر عنه نتائج العدوان على غزة، حيث سيكون هذا العدوان هو الحرب ما قبل الأخيرة، في حال تجرأت "إسرائيل" أو تحامقت بالعدوان على غزة، لأنّه في الحرب القادمة وحسب موازين القوى في المنطقة، وبوصلة اتجاهاتها وما ستسفر عنه لاحقاً، لن يجعل الطلقة الأولى والأخيرة من غزة، بل سيكون هناك الكثير من الطلقات من الكثير من الجبهات، فما تتجه إليه المنطقة من تفعيلٍ لاستراتيجيات محور المقاومة، خصوصاً استراتيجية إخراج الولايات المتحدة من المنطقة، سيجعل من الوقت مانعاً كبيراً لتفعيل الخطط البديلة كما حدث بعد تموز 2006، ولذلك فالمقطوع به أنّ تموز فلسطين جاء في أيار.
حرب تموز 2006انتفاضة القدس 2021
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
22/11/2024
الإعلام المقاوم شريك الجهاد والتضحيات
20/11/2024
ما بين عامَي 1948 و2024 ما الذي تغيّر؟
20/11/2024
أن تصبح سردية العدو شغل LBCI الشاغل!
18/11/2024
عن قائد كتيبة الإعلام المحارب..
16/11/2024