نقاط على الحروف
"المنار".. ثلاثون حبًّا ومقاومة
ليلى عماشا
لكلّ يوم من الأعوام الثلاثين التي مضت ذاكرة مع شاشة "المنار"، الشاشة التي حلّت في بيوت أهل المقاومة ضيفًا عزيزًا على العائلات، وتحولت مع "العِشرة" في السراء وفي الضراء إلى مقرّب يترجم نبض الناس، كلّ الناس.. ولكلّ منا مشهد أو أكثر محفوظ في القلب مرفق بالشعار الأصفر اللماع للقناة التي قاومت وتصدّرت الجبهة الإعلامية في كلّ معركة مرّت، وحوّلت حكايا الناس وهواجسهم إلى حكاية متواصلة، تحوي الأيام كلّها بدمعها وبالضحكات وتحوينا..
مشاهد كثيرة تجمع قلوبنا إلى شاشة المقاومة، ولا يمكن لنصّ مكتوب أن يفيها توهجها المستمر خلف الضلوع، سواء كان سرّ التوهج غصّة أو صيحة فرح. ومن بين هذه المشاهد، لا زالت المقدمة الإخبارية التي زفّت إلى أهل الأرض خبر استشهاد الحاج عماد مغنية محفورة في القلوب.
بصوت الحاج علي المسمار، فقيد الإعلام الذي ارتحل إلى جوار أحبابه الشهداء. ما زال بإمكاننا أن نتذكر تلك الدقائق ونستعيدها بشرود يترنّح بين الدمع وبين العزّ.. قبلها، لم يكن بإمكان مقدمة نشرة أخبار أن تحتل حيّزًا بهذا العمق في وجدان المشاهدين. والسرّ لا علاقة له بالكلمات المسبوكة وبالعبارات المؤثرة، بل هو سرّ العماد وسرّ "المنار" وسرّ الخط المقاوم الذي ترجمته واحدة في كلّ الجبهات: الروح التي تقاتل.
كذلك، لا يمكن تذكّر أحداث ويوميات حرب تموز ٢٠٠٦ من بدون أن يحضر شعار "المنار" في زاوية الصورة.. ولا سيّما حين تحوّل مبنى "المنار" إلى خبر تتداوله كلّ محطات التلفزة: صورة عن مبنى مدمرّ بالكامل، وصوتًا يتحدى الركام ويذهل العالم كلّه بسرعة العودة إلى البث، البث الذي يقاوم بدوره كي لا تغيب برهة أخبار المقاومة عن أهلها، وكي يزف النصر الإلهي فيما بعد أناشيد تواكب عودة أهل الحب إلى أرضهم، معزّزين بالنصر، ومكرمين بالصمود وبالصبر، وبالشهداء.
سيل المشاهد لا يتوقف.. يمضي بنا إلى ياسمين الشام ويعود محمّلًا بالشهيد المراسل حمزة الحاج حسن، عريسًا من أهل المقاومة، شهيدًا خرج من بيوتهم في زفّته حتى بدا أن كلّ الأمهات اللواتي يشاهدن القناة ويتابعنها هنّ أم الشهيد.
يصل المشهد بنا إلى العراق، وهناك يلاحق الطلقات التي تفتّت المشروع التكفيري القاتل.. يأخذنا إلى المواجهات وينقل إلى دورنا كل الحكايات التي ترافقها، فنصير من أهل الحشد المقدّس ومن حافظي حكايات رجاله الشجعان، ومن أحبّة مهندسه أبي مهديّ الشهيد ومن أهل الخال الثائر وحامل الثأر . ومن العراق وعبر المنار ذات فجر، تلقينا يتمنا خبرًا بلون الدم وبرائحة الفقد العظيم: الحاج قاسم سليماني شهيدًا..تشاركنا مع الشاشة وجع الفقد والغضب، وتابعنا عبرها موكب التشييع العظيم الممتد من بغداد إلى كرمان..
وعلى صهوة "المنار" ذهبنا ألف مرة إلى اليمن، وأخبار الجبهة المرصعة بأنصار الله. نقلت قناة المقاومة جراح اليمن بأمانة المسعف وحرص الطبيب المداوي ولهفة أهل الحب إذا أحبّتهم جُرحوا، واحتفت بطلقات رجاله وشرف أهله المقاتل فكان النصر الذي يذل بني سعود عنوان أخبارها وكلّ التفاصيل.
ولفلسطين حصّتها الأجمل، فدرّة تاج أهل المقاومة، القدس، محطة يومية في متابعات قناة المنار والتراب الفلسطيني كلّه ضيفٌ يوميّ على الشاشة، بل ابن لا يفارق دار أهله الطيبين..
تكثر المشاهد التي تحتلنا.. بعضها دمع نقيّ مصفّى رافق زفة كلّ شهيد وحكاية كلّ مجزرة، وبعضها صمود مقاتل يؤثث ذاكرتنا بالعزّ الخام، كما صوت الحاجة كاملة سمحات يوم صرخت أن "فِدا المقاومة"، وبعضها فرح منثور مع الورد والأرزّ يحمله صوت عاملي ويردّد "الحمدلله لي تحررنا"..
ثلاثون عامًا من الحبّ تحوي ألف ألف عمرٍ من أعمار المقاومة، وبقيت "المنار" اسمًا على مسمى، بل أكثر. صارت نبض الناس، دمهم ودمعهم، ورفيقة سهراتهم ونافذتهم التي تطل على العالم كلّه، وتحمل لهم شمس إطلالات السيد حسن نصرالله موعدًا متجدّدًا بين الحبيب الأمين وأهله..
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
22/11/2024
الإعلام المقاوم شريك الجهاد والتضحيات
20/11/2024
ما بين عامَي 1948 و2024 ما الذي تغيّر؟
20/11/2024
أن تصبح سردية العدو شغل LBCI الشاغل!
18/11/2024
عن قائد كتيبة الإعلام المحارب..
16/11/2024
ضاحية السيد: مدينة تسكننا!
16/11/2024