معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

سوريا تطفىء نار لبنان.. ‎‎
30/07/2021

سوريا تطفىء نار لبنان.. ‎‎"ما بيحنّ عالعود إلّا قشره"

ليلى عماشا

يقول المثل الشعبي الجميل "ما بيحنّ عالعود إلّا قشره"، و"المثل" الذي لا ينطق كذبًا، كما يؤكد كبارنا، تجسّد في حكاية النار التي تلتهم منذ يومين الجرود الشمالية والبقاعية في الهرمل وعكار، وفي مسارعة الطوافات العائدة لسلاح الجو في الجيش العربي السوري لإخماد الحرائق..
في ظلّ النقص الحاد بمعدات إطفاء الحرائق في لبنان، وفي ظل غياب أي سياسة للتعامل مع الكوارث ولا سيّما المتوقع منها في فصل الحرّ والجفاف، وجدت ألسنة النار طريقها سهلًا والتهمت كلّ ما مرّت به، وهي تقترب من المناطق المأهولة.. وأثناء كلّ ذلك، ما حنّ على العود المحترق إلّا قشره الوفيّ.. أرسلت سوريا، بدون انتظار أي طلب رسمي ولا بروتوكولات الطوافات المخصصة لإخماد الحرائق من الجو، والجرافات على الأرض كي تنقذ ما يمكن إنقاذه، وكي تحدّ من الخسائر جراء كارثة من لون الجحيم حلّت على عكار والهرمل.

هناك، حيث لا احتمال باستثمار الحريق لدواعٍ انتخابية، غابت التغطية الإعلامية التي يجب أن تواكب الكارثة وتتابعها عن كثب..

هناك، حيث مهما اشتد وجع المشهد، لن يجد مراسل تلفزيوني داعيًا للاقتراب ولو قليلًا من أرض منكوبة وأهلها، ولم يبكِ أحدٌ ممّن اعتدنا منهم المزايدة في كلّ شيء، والفشل.

صوت النار الذي أمكن سماعه في الڤيديوهات المنتشرة على منصات التواصل مرعبٌ. ومجرّد تخيّل المجزرة التي قد تقع بحال لم تتم السيطرة على النيران قبل بلوغها البيوت والمساكن يثير الخوف والقلق. كلّ هذا، على مرأى من إعلام يخشى أن يمنح هواءه للكارثة كي لا يفوته شيء من نشاط إدارة العوكرية ومن لفّ لفّها.

تعدّدت الروايات حول أوّل اللهب، وكادت امرأة في مقابلة عبر قناة المرّ أن تتهم صراحة مجموعة ما بالتسبب بالحريق، وقد يكون اتهامًا باطلًا، إلّا أن مسارعة المراسلة إلى الابتعاد عن المرأة المعاتبة لأهل قرية مجاورة على ما ارتكبوه على حد قولها يشير إلى بؤس الإعلام الذي يريد من الكوارث تدعيم وجهات نظر مشغليه عوضًا عن القيام بدوره الأصليّ كناقل للواقع وكعنصر "مغيّر" فيه.

وقعت الكارثة. مئات الأشجار ماتت احترقًا، في حريق جمع أبناء المناطق البعيدة المحرومة حتى من حق الإشارة إليها لأنّها لا تتماشى مع "پرستيج" مدمني التضامن عادة.

وفيما يرتفع اللهيب، كانت سوريا أول من هبّ إلى النجدة؛ ماءٌ ينهمر من الطوافات السورية، وآليات برية تجاوزت حدود الوهم بين لبنان وسوريا لتخمد نارًا قبل أن تحصد هذه النار أرواحًا وتستحيل حريقًا في القلوب.

بذل الجيش اللبناني والدفاع المدني كل ما بوسعهما للسيطرة على النيران، ولكن هذا الكل ما بوسعهما ينقصه الكثير من المعدات والتجهيزات التي تحقق الهدف وتحدّ من هول الكارثة التي باتت تهدد الآن العائلات في بيوتها وخاصة في أكروم. وتحدّث متطوّع  في الدفاع المدني عن ارتفاع اللهب في جرود الهرمل: عشرون مترًا من الحريق المتنقل بسرعة هائلة والقاضي على كلّ أثر حياة يمرّ بها.

غدًا، قد يخرج علينا "سياديٌّ" من فرق الفولكلور العوكري ليدين تدخّل سوريا في إطفاء الحريق، وبجديّة تامّة. وقد يتجاهل آخرون حجم وكم ونوع ما تقدمه الآن الجمهورية العربية السورية إلى "بلد شقيق" تلذّذ جزء من زعمائه ومواطنيه طيلة أعوام من احتراق القلوب والأرض في سوريا. وهناك طرف ثالث قد يبلغ به الهذيان المتأتي عن عدائه لسوريا ليتهم الطوافات برمي البنزين على النار مثلًا، وطرف رابع سيحاول التقليل من أهمية المجهود السوريّ ويدّعي أن هناك حلولًا كثيرة قد تنهي الحريق لكن "التدخل السوري" منعها.

لكن الدولة السورية لا تؤاخذ لبنان بما يفعل ويقول سفهاؤه، فمن شيم الكبار الترفّع عن التعليق على هلوسات صغار القوم، ولا سيّما السفهاء منهم. تبقى كالقشرة الخضراء المشبعة بالحب، تحنّ على عودها، تطفىء ناره، تبرّد له قلبه، ولو كرهت شيا وأدواتها.
 شكرًا سوريا، شكرًا مقترنًا بالإيمان الطبيعي بوهمية الحدود وسقوط البروتوكولات، وشكرًا لا يجيد وصف نفسه أمام النيران التي رغم هدير لهيبها ما وجدت إلى مسامع الكثير من المعنيين دربًا أو جسر عبور يصل إلى حيث يتلقون التعليمات بالتجهيز للمكائد.

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف