معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

فائض الحكمة المسلّحة بالصبر: أمرنا أمر القيادة‎‎
02/08/2021

فائض الحكمة المسلّحة بالصبر: أمرنا أمر القيادة‎‎

ليلى عماشا

استشهد علي شبلي برصاص غادر ليل السبت - الأحد، بعد عام من المضايقات والاعتداءات المختلفة على رزقه في خلدة. وفي تشييعه، انهمر الرصاص الغادر عينه على المشيّعين والمارّة، فاستشهد منهم علي حوري ومحمد أيوب وحسام حرفوش.

الفاعل ليس مجهولًا، وهويّته المعروفة تتخطى بالطبع اسم من ضغط على الزناد وأصاب مقتلًا، بل وتتخطى "الجماعة" التي ينتمي إليها. بكلام آخر، الفاعل ليس الأداة البشرية التي تمّ استخدامها لتنفيذ الجريمة الليلية التي استحالت مجزرة في وضح النهار. كلّ من حرّض فاعلٌ وكلّ من ابتهج أو استحسن الجريمة أو حاول تبريرها فاعل. والفاعل جبهة متعدّدة الوجوه واللغات، وما عوكر إلا رأس مدبّر يمثّل زعامة الشرّ في العالم، وما السعودية إلّا المحفل الإرهابي الذي يرعى تنفيذ خطط الشرّ، ويهرب من هزائمه بالمواجهة إلى الارتكابات الغادرة، والغدر من شيم بني سعود وأذنابهم اللئام.

لا يحتاج المرء إلى فراسة أو قدرات تحليلية عظيمة كي يرى في وجه المجزرة سمات الروح التي تخطط وتجهز وتنفّذ عملًا إرهابيًا مغطّى بخِرق بالية من الادعاءات الواهية والأكاذيب الركيكة. ولا نحتاج في ترجمة الواقعة إلى أيّ معجم يشرح مفردات الترهيب والجرّ إلى الفتنة. فالمشهد واضح، وسياق الحدث مرئي ومُشار إليه في كلّ خطابات أجراء السفارات بكل مناصبهم ورتبهم، وبكل لهجاتهم ومشاربهم وملابسهم.
علي شبلي، الشهيد المظلوم، قُتل ليس لثأر في عادات العشائر ولا لحقد شخصي في قلب لئيم. قُتل لأنّه يمثّل بالنسبة لقاتله المنظومة التي حاربت الصهيوني والتكفيري وانتصرت، ولم يبق للصهاينة وللتكفيريين إلّا احتمال جرّها إلى صراع محلّي، سواء بطابع مذهبيّ أو غيره، في سبيل محاصرتها وإلهائها وكفّ يدها عن المواجهة كجزء لا يتجزأ من محور المقاومة. قُتل علي على مرأى من عائلته وأقربائه وضيوفهم، وأمام الكاميرات، لأن القاتل الأداة، ومن يمثّل، أراد للجريمة أن تستفزّ أكبر عدد ممكن من أبناء البيئة المقاوِمة، البيئة التي تقاتل ما يمثّل، وتنتصر على ما يمثّل. لكن البيئة بحماية منظومتها، وبصبرها وبصيرتها والتزامها حكمة سيّدها، لم تلتهم طعم السقوط في فخ الفتنة. لمّت جرحها ورفعته إلى السماء ومضت تقوم بواجب شهيدها تشييعًا وتوديعًا.

هذا العلوّ في مستوى الصبر جعل القتَلة الإرهابيين يرفعون منسوب الاستفزاز الى حدّ قنص وقتل المشيّعين، ومحاصرتهم، ومنع سيارات الإسعاف من الوصول لنقل الجرحى إلى المستشفيات. سيناريو شاهدناه مرارًا على يد الصهاينة والإرهاب التكفيري. والشّبه وحده دليل كافٍ على أن من كمن في خلدة هو أداة تحرّكها اليد التي زرعت الصهاينة في أرضنا وبثّت الإرهابيين التكفيريين في أيامنا.

بموازاة المشهد الدموي، اشتعلت الجبهة الإعلامية المؤازرة للقتلَة، بدءًا من الادعاء أنّ ما حدث في خلدة كان اشتباكًا على الرغم من تأكيد بيان الجيش والشهود العيان أن الذي حدث كان كمينًا محكمًا،  وصولًا إلى فتح الهواء للسفهاء كي يبرّروا الجريمة، وللإرهابيين الذي يحملون صفة نواب أو محلّلين. وقد بلغت السفاهة بإحدى النائبات حدّ الادعاء أن سيارة الإسعاف التي تقلّ جثمان الشهيد علي شبلي لم تحوِ جثمانًا بل استخدمت لنقل الأسلحة، بكلّ ما يشكّله تصريح كهذا من خطر على الطواقم الطبية والإسعافية، وأعادتنا بلمح البصر إلى ادعاء مماثل كان قد لجأ إليه الصهاينة يوم قصفوا اسعاف المنصوري المحملة بالأطفال النازحين عن أرض المعركة في نيسان ١٩٩٦، ناهيك عن الحسابات الإلكترونية الناشطة إرهابيًا التي كرّرت بشكل مقزّز كلمات الشماتة والعبارات التي تسكب على المجزرة طابعًا مذهبيًا يبررها بل ويستحسنها ويبتهج بها.
اعلام الفتنة لم يخجل من الدم المراق، ولم يستحِ أمام هول مظلومية من قضوا شهداء، بل ولم تتحرّك في أفراده ولو قطرة من الشرف المهني الذي ينبغي أن يمنع تزوير الأحداث المشهودة والإصرار على التضليل والكذب.

فشلوا في استفزاز حزب الله اليوم، فشلوا في جعل الدم المسفوك غدرًا طُعمًا لجرّ سلاح الحزب إلى مواجهتهم.
لن يتوقّفوا عن المحاولة. وقد نشهد في الأيام المقبلة تصعيدًا من هذا النوع، فهؤلاء عبيد يأتمرون بأمرة رأس مدبّر لا يتعلّم من التاريخ ولا من التجارب.

السؤال الآن: ماذا بعد سفك الدم؟ ما هي الخطة البديلة التي أعدّتها عوكر؟ خطف؟ استمرار قنص العابرين عبر طريق خلدة؟ تحريك خلايا مشابهة في المناطق الأخرى؟ كلّها سيناريوهات واردة، وما علينا في هذه الفترة على الصعيد الفردي إلا الحيطة والحذر. أما في العام فأمرنا أمر القيادة التي تفيض حكمة وبصيرة، وما الصبر المطلوب اليوم أكثر من أي وقت مضى إلّا دليلنا على القيمة الأسمى التي ينطوي عليها شعار "إنّ معي لبصيرتي".

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف