معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

05/08/2021

"صار الوقت": مسرح التضليل الأسود

ليلى عماشا

أنفق لئام البلد ومستثمرو الانفجار الكارثة كلّ الإيرادات المرصودة لتحويل ذكرى الرابع من آب إلى يوم يوفون فيه بعهودهم لمشغليهم. تداعوا، فوق جراح أهالي الشهداء، إلى حفل يجتذب جمهورًا يصفّق لهم كي يخرجوا إلى العالم بمشهد حاشد. ارتكبوا بالسياسة وبالأمن كلّ ما يمكن ارتكابه في خدمة التضليل المتعمّد والاستثمار القذر في قضية انفجار المرفأ.. وخابوا!

بعيدًا عن الخوض في الأحداث التي رافقت النهار الذكرى والتي افتتحت بالتعرّض بالضرب المبرح لأحد أهالي الشهداء الذي اعترض على رفع علم حزب "القوات اللبنانية"، المنحلّة سابقًا، وبعيدًا عن البحث في صحّة بعض الأخبار التي وردت حول ما كان يحدث خلال النهار، يمكن القول إنه أوكل إلى مارسيل غانم مهمة تغطية خيبات اليوم القواتيّ بحلقة تلفزيونية من برنامجه "صار الوقت" والمخصص منذ ما يزيد عن السنة للتضليل الإعلامي واختراع الأكاذيب واستقدام المؤدّين لها، مع الإشارة إلى أنّ غالبية هؤلاء المؤدين لم يفلحوا في أداء أدوارهم جيّدًا فلم تصمد أكاذيبهم أمام الجمهور، ففضحوا مارسيل وفريقه بشكل يجعلنا نتساءل، بموضوعية شديدة، كيف يمكن لارتكابات اعلامية من عيار "تأليف" الأحداث أن لا تلقى محاسبة قانونية وقضائية؟

في حلقة الأمس، تفوّق "صار الوقت" بمارسيله وضيوفه على نفسه. ولوهلة، بدا وكأن البرنامج تحوّل إلى منصّة كوميديا من النوع الرخيص والموجّهة لهواة التفاهة ومتابعي البذاءات، وهل الكذب سوى بذاءة بعبارات "منمّقة"؟

بعد حكاية فاطمة التي أقنعها مارسيل بالادعاء أن يدها بُترت بسبب انفجار المرفأ وتبيّن أنّ يدها على هذه الحال منذ ما لا يقل عن العشر سنوات (وهنا الملامة على فاطمة ضئيلة مقارنة بتلك الواقعة على مارسيل وفريق الإعداد الذي لا نعلم بما وعد فاطمة ليقنعها بأن تسمح له باستغلال مشكلتها الجسدية)، خرج علينا "صار الوقت" بحكاية بطلها شخص يدّعي أنّه سائق شاحنة قام بنقل النيترات مرتين إلى الجنوب. أجل، بهذه البساطة وبهذا التسخيف وبهذا التسطيح وبهذا الاستخفاف المريع بعقول الناس أراد مارسيل غانم وقناة المرّ تعزيز الاتهام السياسي ومحاولة تحميل حزب الله مسؤولية الانفجار الذي أصابنا جميعًا! ذكّرنا المشهد بفرقة شهود الزّور الذين ظهروا عام ٢٠٠٥، مع الشهادة لمحمد زهير الصدّيق وزملائه بالحرفية مقارنة بشهود ٢٠٢١ - الأكثر ركاكة بمرّات - الذين يقصّون حكايات مفكّكة وواضحة النسب إلى بنات خيال فريق أدوات شيا وخيمة البخاري.

لم يكتفِ مارسيل بحكاية الشاحنة وسائقها الركيكة، فدعّم حلقته بتقرير يقدّم شاهدين خفيين قيلإأنهما يعملان في المرفأ، بأصوات مموّهة، ليخبرانا عن مشهدين مختلفين: في المشهد الأول شبان بثياب سوداء (الصورة النمطية التي لا يلتفت مستخدموها إلى تحوّلها إلى كليشيه تافهة والتي يتعامل البعض معها وكأنها هويّة لا يمكن التلاعب بها أو تمويهها) سألوه عن سبب تواجده قرب المرفأ، والمشهد الآخر سلسلة مشاهدات إذا صحّت لا بدّ أنّها لفتت أنظار كلّ عمال المرفأ وليست سرًّا، وإذا ثبت عدم صحتها فهي محاولة تضليل فاشلة وغير محبوكة.

"صار الوقت" الذي تمّ تصوير حلقته بالأمس فوق ركام المرفأ كان قد عمد منذ لحظة الانفجار إلى صناعة ديكوره ومؤثراته من الدم والدمار، كي يتوجه إلى جمهور يفترض مقدّم البرنامج ومعدّوه أنّه عديم الوعي والإدراك. لقد استثمر هذا البرنامج  بشكل خاص ومقزّز في كلّ جرح وكلّ ضرر أحدثه الانفجار كي يصنع رأيًا عامًا يحاكي أمنيات السفارات والمنظومة التي تستخدم قناة mtv كأداة علنية للتضليل.

مرّ عام على الانفجار، وما زال "صار الوقت" يصرّ على خوض الحرب الإعلامية باستخدام وسائل واهية كالحكايات التي لا يلتفت مؤلفّوها لحبكها بشكل يحترم على الأقل عقول الجمهور.. إذا سلّمنا جدلًا أن هؤلاء هم جزء من البروباغندا العابرة للقارات وأنهم يتموّلون لارتكاب كلّ هذا الكذب والتضليل، فعليهم بالمقابل أن يمارسوا القليل من الذكاء في الكذب واختراع الأحداث، أقلّه كي لا يكونوا شركاء فعليين في صناعة الخيبة، خيبتهم، التي لا شك سيحاسبهم عليها مموّلوهم. وبالتأكيد ليس مطلوبًا منهم احترام اخلاق المهنة أو الأخلاق بشكل عام ففاقد الشيء لا يمكنه العمل به. ربّما، "صار الوقت" لأن يتحوّل مارسيل غانم إلى صاحب "نمرة" إضحاك رخيص على مسرح لا يقصده إلّا هواة إضاعة الوقت، أو إلى حكواتي في شارع لا يرتاده إلّا قليلو العقل وفاقدو الأخلاق.. مهلًا، يبدو أن مارسيل في مكانه الصحيح أصلًا. إذًا، "صار الوقت" كي نقول إن قناة المرّ هي الواجهة "المرتّبة" التي تخفي خلفها مسرحًا بفقرات تافهة، ومنصّة موجهة لشارع تخلّى طوعًا عن وعيه وأخلاقه، مع حرصه الشديد على قواعد "حسن التصرّف"!

 

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف