معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

قافلة كسر الحصار ومسؤولية الفشل
30/08/2021

قافلة كسر الحصار ومسؤولية الفشل

ايهاب زكي

بعد هزيمة "إسرائيل" في العام 2006، لم تكن إعادة الكرّة ثانيةً بالفكرة اليسيرة على العقل "الإسرائيلي" والأمريكي من خلفه، خصوصاً مع عدم ضمان نصرٍ حاسمٍ وواضح. ولكن بعد 15 عاماً لم يعد الأمر مقتصراً على إنجاز نصرٍ حاسمٍ وواضح، في حال إعادة الكرّة ثانيةً، بل أصبح الهاجس هو ضمان البقاء. لذلك، فإنّ القرار كان استهداف حزب الله من أبوابه الخلفية، دون الاضطرار لمواجهةٍ مباشرة، فكانت الحرب على سوريا، باعتبارها عمود خيمة المقاومة، والرئة والقلب بالنسبة لحزب الله ولمحور المقاومة، وكان الهدف في حال سقوط سوريا، هو قطع الأوكسجين عن حزب الله وبالتالي انهياره، حينها سيكون لبنان في حالة استباحة تامة بأرضه وشعبه وثرواته أمام العدو "الإسرائيلي"، ولا يملك من الأسلحة سوى الحياد وقاعدة "لبنان قوته في ضعفه"، وهي أسلحةٌ من هشيم أمام النار "الإسرائيلية"، لذلك فإنّ ذهاب حزب الله إلى سوريا لم يكن ترفاً، ولم يكن دفاعاً عن سوريا فقط باعتبارها الرئة والقلب، بل دفاعاً عن لبنان أيضاً. والحقيقة أنّ من يسعى لامتلاك زمام أمره وامتلاك سيادته وقراره، يتحرك لأمورٍ أقل من ذلك بكثير.

فيذكر مثلاً محمد فائق مسؤول الشؤون الأفريقية زمن عبد الناصر، في كتابه "عبد الناصر والثورة الأفريقية"، أنّ الرئيس جمال عبد الناصر أمر بالتدخل في نيجيريا لمساندة الحكومة الفيدرالية في مواجهة التمرد، ورغم أنّ مصر كانت حينها قد خرجت للتو من نكسة حزيران/يونيو 67، وبحاجة ماسّة للطيارين والطائرات، فكان الخيار الأمثل إرسال الطيارين المتقاعدين، وقد ساهم التدخل المصري في إنهاء التمرد واستتباب الأمر للحكومة الفيدرالية. وكما يذكر محمد فائق، فقد كان هدف جمال عبد الناصر استقطاب نيجيريا للاصطفاف إلى جانب القضية الفلسطينية والحقوق العربية في المحافل الدولية، وهذا ما حدث فعلاً، وهذا هدفٌ لا يمكن مقارنته على الإطلاق بأهمية هدف ذهاب حزب الله إلى سوريا. وأيضاً يتحدث فائق في كتابه عن "مسارعة ناصر لإعانة الكونغو إبان الاحتلال البلجيكي". ومن المفارقات أنّ الاحتلال البلجيكي حين انسحابه لم يترك كادراً بشرياً قادراً على إدارة دولة، وهذا ما حدث في أفغانستان مع الاحتلال الأمريكي، ولكنه في الكونغو كان أشد سوءًا، فسارع عبد الناصر لمدّ الكونغو بالمال والكادر البشري ولذات الأهداف، تشكيل حاضنة أفريقية للحقوق العربية.

ولكن بعد انهيار المدّ الناصري، ودخول المدّ الوهابي النفطي كبديل، أصبحت العلاقات النيجيرية - "الإسرائيلية" في أعلى المستويات، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، ويعاني المجتمع النيجيري من شروخٍ عرقية ومذهبية ودينية وقبلية، وهذا بالضبط مجسمٌ صغير لما كان سيحدث في سوريا في حال سقوطها، وسيطرة العقل الوهابي النفطي على قرارها. ولكن الآثار ستكون أشد مضاضةَ على العالمين العربي والإسلامي لقرنٍ قادم، تتسيد "إسرائيل" وتستبيحنا بالجملة والمفرق. ورغم أنّ السعودية ودول النفط فقدت فعاليتها كما تقول "فورين بوليسي": "لقد ولّت تلك الأيام التي كانت تواجه فيها دول الخليج أزماتها الإقليمية، بدفتر شيكات مفتوح، فقد فشل هذا النهج فشلاً ذريعاً، بما في ذلك في لبنان والعراق، حيث تفوَّق المنافسون الإقليميون مثل إيران"، يبدو أنّ السعودية تحاول حل أزماتها في لبنان بالشيكات الممنوعة، وهي تستنكف عن المساعدات المالية، كما تساهم بالحصار من خلال وقف استيراد المنتجات الزراعية من لبنان، وتمنع رواد سفارتها من التعامل بواقعية وجدّية مع الواقع اللبناني، وتصرّ أن يكونوا حجار عثرةٍ في طريق كل الحلول، وهم حتى اللحظة في حالة إنكار أنّ قافلة كسر الحصار قد أقلعت.

فالواقع الحالي يشير إلى أنّ إدارة بايدن تتجه نحو انسحابٍ من سوريا والعراق، وهذه الهواجس هي ما جعلت رئيس وزراء العدو نفتالي بينيت يعبر للرئيس الأمريكي عن خطورة هذه الخطوة على الأمن "الإسرائيلي". وقد يكون مؤتمر بغداد هو خطوة تمهيدية لهذا الانسحاب، مع محاولات تشبيك حلفٍ يجهد لتقليص الخسائر المحتملة في حال الانسحاب، خصوصاً بعد فشل ما يسمى باتفاقيات "أبراهام" بصناعة حلفٍ مباشر مع "إسرائيل" لمواجهة محور المقاومة، لملء الفراغ الناتج عن الانسحاب الأمريكي.

واللافت في مؤتمر بغداد هو الحضور الفرنسي الذي يشبه تماماً الحضور الفرنسي في لبنان بعد انفجار مرفأ بيروت، وهو حضور فاشل، كونه لا ينبع من مصلحةٍ فرنسية أو قرارٍ فرنسي، بل هي مصالح أمريكية وقرار أمريكي، وسقف ماكرون الأعلى هو التقاط الصور الأيقونية، فيما يتجه محور المقاومة لمواجهة الحرب الاقتصادية بخطواتٍ عملية، يغرق العقل الأمريكي بتصميماتٍ بالية عن حروب مفترضة وأحلافٍ افتراضية، وما يمكن قراءته بما ذهب به بينيت إلى واشنطن، من مخططٍ لمواجهة إيران وحزب الله، دون الاضطرار إلى العودة للاتفاق النووي، وما عاد به من وعدٍ قطعه إلى بايدن، بعدم انتقاد الاتفاق النووي علناً، هو أنّ الإدارة الأمريكية تعتمد كلياً على تلك الأحلاف دولية أو إقليمية، بالإضافة إلى أدوات الداخل أو ما تُعرف بفئران السفينة، وأنّهم سينظرون إلى عملية كسر الحصار، ثم سينتهي الأمر بمعاقبة حلفائهم وأدواتهم، بعد تحميلهم مسؤولية الفشل، كما حمّلوا الحكومة الأفغانية والجيش الأفغاني مسؤولية كل الهزائم.

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف

خبر عاجل