نقاط على الحروف
مقاومة التفتيت والتفسيخ الطائفي.. الجامعة اللبنانية أنموذجاً
غالب أبو زينب
إن المطالب السياسية التنموية والمناطقية التي تقفز سريعاً إلى التجلبب برداء الطائفة أو المذهب "كأنها لا تستمد مشروعيتها وأحقيتها من عدمها، من كونها حاجات مواطنين" تؤشر إلى خطورة ما يجري في الفترة الأخيرة والذي يشكل في عمقه حركة ارتدادية، تسعى إلى إغراق الوطن مجدداً في دورة النزاعات الطائفية بحيث انتقلت الأمور من حيثيات تنموية يستحقها الجميع، إلى تناتش مقيت ليصبح كل ما يجري تسابقاً على نحر الدولة الواحدة والإعلان النهائي لانتصار المشروع التفسيخي التفتيتي مع الحفاظ على شكل الوحدة، طالما أن التقوقع والانسحاب الكلي أصبح مكلفاً ولا يمكن تطبيقه كاملاً وعلناً، فالاستعاضة تكون بالحل الآخر، الفدرلة المموهة، سواء مذهبياً أو طائفياً.
إن مستويات التخدير قد أصبحت مرعبة، فالبرغم من كل الفذلكة حول المستوى العلمي والنضج لدى المجتمع اللبناني إلا أن سياسة القطيع المذهبي والطائفي لا تزال هي الحاكمة وهذا ما يمارس في إدارة الدولة من قتال على المواقع واستنفار العصبيات والتقاتل تحت عناوين طائفية مباشرة دون خجل أو قليل من حياء، لا بل إن الأمور وصلت إلى مسائل تكاد تأتي في آخر الدرجات.
هناك فضائحية سياسية غير مقبولة، تنعكس بحدة في الواقع الإداري. انسلاخ عن جوهر الحقوق وإخضاعها لمزاجية هذا الطرف أو ذاك تحت شعارات الحفاظ على حقوق الطائفة ومواقعها ومصادرة لقمة عيش الشباب، فقط لأنهم من طوائف أخرى، ولكي أقول لشباب طائفتي "أنا أحميكم وأحفظكم وعبري فقط تصلون إلى الوظائف في الدولة".
هذه الأمور تشكل خطورة متراكمة وتفتح مجالات للبناء على زغل، وتضرب عرض الحائط بكل أطروحات الخروج إلى الدولة والإصلاح وتجعل الإيمان بقيامة وطن مستحيلة، خاصة أن ذلك يترافق مع سياسات مصلحية للأطراف السياسية على حساب الدولة والطائفة والمذهب (يستعملونهم متراساً وقت الحاجة). إن لهذا النهج إفرازات لا تحمد عقباها، فمن يظن أنه يستطيع أن يطلق الوحش الطائفي ويتلاعب به ثم يسيطر عليه ساعة يشاء، هو خاطئ ولا يملك تجربة حقيقية في هذا المجال، لأن ما هو طائفي يستطيع أن يتمدد ويتوسع دون أي رادع في لبنان. من هنا يبدو أن الشراكة والمشاركة والوحدة وبناء مستقبل الإنسان اللبناني أصبحت خارج إيمان التيارات السياسية حتى لو رفعتها كشعارات، إنما الممارسة عكسية بالكامل.
الجامعة اللبنانية وكيفية التعاطي معها، من قبل الافرقاء اللبنانين، تشكل أنموذجاً تطبيقياً لحالة السوء التي وصلنا إليها. فهذا الصرح المفترض أن تدار من حوله الأمور بوطنية نخبوية تسعى إلى التحسين والاشتباك الديمقراطي، نفاجأ بالاستهداف الشخصي لرئيسه -رئيس الجامعة- ومحاولة النيل منه ومن مصداقيته العلمية واللمز الخفي من طائفته وتحويل أي مطلب لمجموعة "سواء كان محقاً أو لا" عويلاً حول حقوق الطائفة ومكتسباتها وافتئاتاً على حقوق أبنائها وإقصائهم من الجامعة! هذا أمر مشين. لقد تبين بطلان الادعاءات بالأدلة الدامغة حول المصداقية العلمية، وسقطت هذه الفرية ومعها التشويش ومحاولات كسر عزيمة الرئيس. وهنا يحق لنا أن نتساءل: من يفتري في القضايا العلمية ألا يفتري في المسائل الأخرى؟ وهل لا يزال يمتلك مصداقية للحديث عن أمور أخرى؟ علماً أن رئيس الجامعة الدكتور أيوب يحمل بجد هم الجامعة ويعمل على النهوض بها والسير إلى الأمام وسط كل تشابك المصالح السياسية للأطراف، التي تشكل عائقاً فعلياً للسير سريعاً بالإصلاح.
لقد كان صادماً وكاشفاً عن مدى التردي والاستغلال للمسائل الطائفية أن هؤلاء الأساتذة المعترضين وبغض النظر عن "أحقية مطالبهم من عدمها" استطاعوا التترس بمجلس البطاركة الكاثوليك ودفعه إلى إطلاق أبشع النعوت بحق الجامعة واضطهادها لحقوق فئة من اللبنانيين فيها والحل هو إنشاء جامعات وطنية، هكذا يصبح للماروني جامعة لبنانية وللدروز جامعة وللشيعة جامعة والسني جامعة والارثوذكسي جامعة و…، لكن لأننا لا نستطيع الانفكاك عن الآخرين ولكي لا نتهم بالتقسيم فلتكن الجامعات اللبنانية تحت راية الوحدة الوطنية.
أنا لا ألوم البطاركة، لكن ألوم العلمانيين من أساتذة الجامعة الذين تصب طريقة مقارباتهم في إطار الفدرلة والتقوقع والانعزال تحت شعار الجامعات اللبنانية، إنها سقطة كبرى بكل ما للكلمة من معنى، وندرك المسوغات النظرية التي لا تقال علناً لدفع البطاركة إلى تبني الحال.
أيها السادة، هذا غيض من فيض مما يجري، لقد نالت الجامعة اللبنانية شهادة (الاعتماد المؤسسي) في المجلس الأعلى لتقييم البحوث والتعليم العالي الفرنسي مع ما يعني ذلك من شهادة بقدرات إدارة الجامعة ورئيسها وتقدمها وتطورها في الاتجاه الصحيح (كان مهماً موقف البطرك الراعي من الجامعة ورئيسها بعد انكشاف الأكاذيب). ألا تحرك هذه الحقائق هؤلاء الذين يهاجمون الجامعة اللبنانية إلى مقاربة إيجابية تدعم مسارها المتقدم؟ الواضح أن لغة الخطاب الحالية تحمل رغبة دفينة بترجيح كفة الفدرلة والتقسيم المقنع على كفة الوحدة الجامعية، فهل ندرك حجم المخاطر من الخطاب والممارسة الطائفية لكل الفئات والسياسين وأثرها على الوحدة الوطنية وبناء الدولة، أم أننا أصبحنا عديمي الإيمان ونتحضر لتحويل الوطن برمته إلى شركة مساهمة خاصة؟
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
22/11/2024
الإعلام المقاوم شريك الجهاد والتضحيات
20/11/2024
ما بين عامَي 1948 و2024 ما الذي تغيّر؟
20/11/2024
أن تصبح سردية العدو شغل LBCI الشاغل!
18/11/2024
عن قائد كتيبة الإعلام المحارب..
16/11/2024