نقاط على الحروف
سأحدّثكم عن مريم..
ليلى عماشا
مريم.. سأحدّثكم عن مريم، عن العباءة الهويّة التي أوجعت بطهرها عين القناص. عن مريم الأم والشقيقة والابنة والزينبية. عن امرأة لا تشبه إلّا طينتها النقية، وعن فطرة تربي الوعي المنتصِر، وعن حبّ من خامة الولاية والتسليم.
يقول أحد أقرباء مريم إن القناص استهدفها برصاصتين: أخطأ في الأولى فأعاد الكرّة لكي يصيب، وأصاب في الثانية مقتلًا في مريم، وقلوب كلّ أهل الحقّ. قُتلت مريم مع سبق الإصرار، فعباءتها هويّة ناطقة، والقناص الذي ليس فيه أدنى جرأة ليقاتل أبناء هذه الهوية وجهًا لوجه، وجد في مريم وجهة لتفريغ حقده الجبان. لقد أخافته مريم، وأصابته في صدرِ حقده. لقد ظنّ أنّه برصاصة غدر يرديها، يعوّض نقصه وجبنه، لكن الحال أنّ مريم أردته برصاصته، فصار ملعونًا لا يُشفى، وصارت شهيدة لا تموت.
دعنا من القناص وحاله، فقصاصه لا بد آتٍ. ليس في المشهد إلّا مريم.. مريم التي اختارتها الشهادة، طرقت بابها، لتنضم كابنة للسيّد المؤتمن الأمين إلى روضة الشهداء أمًّا طاهرة، وشهيدة مظلومة، ووردة من جنّة زينب تحرسها عيون الشهداء.
لا عتب على مسوخ النسويّة إذا لم يروا في مريم صورة امرأة قُتلت ظلمًا، فهي لا تشبههنّ بشيء، حاشاها أن تشبه أمثالهن بأي عنوان أو تفصيل. ويمكن القول بضمير مرتاح، كراحة مريم في عليائها، أن البؤر النتنة التي أنتجت هؤلاء المسوخ ما فعلت ذلك إلّا لإيجاد نموذج نسائي مختلف عن النموذج الذي تمثله مريم، وإلا لتصنيع هويّة تعادي وتستهدف هويّة مريم؛ فطهر مريم يذكرهنّ بقباحتهنّ، نقاؤها يواجههن ببذائتهن، فطرتها ترميهنّ بتركيباتهنّ الهجينة، وإن حاول بعضهن المرور على ذكر مريم، فليس إلّا لرفع العتب، الذي لم يوجّه إليهن أصلًا، أو لمجرّد ايهام الآخرين بأن هويّة مريم لا توجعهنّ.
ولا عتب على الذين بحثوا عن عناوين تخفيفية لجريمة اغتيال واضحة المعالم: فهؤلاء يخشون النقاء الذي تمثّله مريم.
كذب عمدًا من قال أصابتها رصاصة طائشة. كذب عمدًا من قال أصيبت برصاص اشتباك. وكلّ من كذب شريك القاتل بالقتل. والعتب على القاتل وشركائه تخفيف من حدّة ما ارتكبوا.
"هذه ابنتي..." قال السيد الذي حين ذكر نجله الشهيد قال "ابنكم هادي"..
"هذه ابنتي..." قال الأمين على الحقّ، المؤتمن على الثأر، الحسينيّ القويّ، والعلويّ الحكيم، والمحمديّ الصادق..
"هذه ابنتي..." قالها أب الشهيد وكلّ الشهداء، وأصبحت مريم الشهيدة الأولى في روضة من قالوا "لن تُسبى زينب مرتين".. حلّ قبرها بين قبورهم آمنًا، مسيّجًا بالورد وبحضور الشهداء المقاتلين..
أعرفتم من مريم؟
مريم الابنة المتحدرة من حضن أمومة تهدّىء روع الحزانى بالصبر وبالتسليم الجميل وبالإيمان القوي. أرأيتم أمّها وهي تقول: "الله يحسن آخرتنا متل ما أحسن آخرتها؟".
مريم الشقيقة الذي بغيابها كسرت ظهر أخيها.. "كسرتي ظهري يا مريم".. أيّ أخت كانت لتذرف رجولة ولائية عند جثمانها هذا الحزن المعظّم وهذا الدمع الحريق.
مريم شقيقة عباءة تتوجّه في اللحظة الأقسى إلى السيد نصر الله "ما يزعل.. زعلو كتير عزيز علينا".
مريم الأم التي ربّت عروسًا تقول "إمي رفعتلنا راسنا عند الزهراء "ع" وطفلة في الروضة، ذهبت في الصبح معطّرة بحبّ أمها، وعند العودة صار اسمها اليتيمة.
مريم، ابنة النهج الذي يرفع "ما رأيت إلّا جميلًا" راية لا تُهزم، ويربّي جيلًا عزيزًا لا يُهان ولا يُذَل.. مريم، الهوية المنتصرة والعزّ الذي لا يُطال.. مريم الشهيدة، أمّنا.
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
25/11/2024
بيانات "الإعلام الحربي": العزّة الموثّقة!
22/11/2024
الإعلام المقاوم شريك الجهاد والتضحيات
20/11/2024
ما بين عامَي 1948 و2024 ما الذي تغيّر؟
20/11/2024
أن تصبح سردية العدو شغل LBCI الشاغل!
18/11/2024