معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

الى مسيحيي لبنان: عن رسائل البراءة من جعجع
21/10/2021

الى مسيحيي لبنان: عن رسائل البراءة من جعجع

ليلى عماشا

يحيا سمير جعجع، القاتل، على الفتن. فقد نفّذ كلّ جريمة ارتكبها في تاريخه السيئ السمعة بشكل يجعلها تبدو وكأن طرفًا غيره قد قام بارتكابها وذلك لغايات عديدة ومنها اشعال الفتن بين سائر الأطراف ولا سيّما خلال الحرب الأهلية، على الرغم من أنّ معظم جرائمه كانت موجّهة ضد المسيحيين ذوي التوجهات السياسية المخالفة لتوجهاته، أو حتى الذين ينتمون إلى ذات توجهه السياسي ولكن يشكّلون حجر عثرة في طريق طموحه الشخصي.

ولذلك، وبكلّ موضوعيّة، لم يعرف مسيحيّو لبنان على وجه الخصوص عدوًّا نكّل بهم وقتلهم كما فعل سمير جعجع. وإذا كانت مجزرة الطيونة لم تستهدف "المسيحيين" بالرصاص الغادر، فقد كان من أحد أهدافها استدراج حزب الله وحركة أمل إلى ردّ فعل يستهدف المسيحيين في المنطقة ولا سيّما في عين الرمانة، وكلّ ذلك فقط كي يحقّق فتنة يعتاش منها كأداة لطالما استخدمها الأميركيون وذراعهم الصهيونية، أداة لم يتسنّ لها إعادة حساباتها وإدراك أنّ "زمن الأوّل تحوّل". وإن كان عنوان التحوّل هو زمن الانتصارات على الصهاينة وأدواتهم، وحكمًا معلّميهم ومشغّليهم، فيصح أيضًا اعتبار "زمن الفتَن قد ولّى" عنوانًا عريضًا للتحوّل، وهو عنوان يعيد سمير جعجع إلى حجمه الحقيقي، وخاصة في الشارع المسيحي، بعد أن ألبسته السفارة الأميركية حجمًا منفوخًا جعله يصدّق نفسه كزعيم في شارع لم يعرفه سوى كقاتل يتفنّن في تعذيب ضحاياه، وكنموذج سبق النموذج الداعشي في اختراع الأساليب الأكثر قسوة في التنكيل بضحاياه.

لم يملّ سمير جعجع، الذي لم يأتِ على ذكر اسمه السيّد حسن نصر الله في خطاب التحجيم والتأديب، من تقديم نفسه كحامي حمى المسيحيين في لبنان، عبر إيهامهم بأنّهم في خطر، رغم وضوح فكرة أنّه وعصابته الخطر الوحيد المحدق بكلّ المكوّنات اللّبنانية وبشكل خاص القسم المسيحي منها.

ولهذا، هي رسالة إلى مسيحيي لبنان؛ رسالة حبّ مزيّنة بألف ألف مشهد أبطاله أبناء حزب الله، ومساحته المكانية الكنائس والأديرة المختلفة في سوريا، وزمانه، يوم حلّ على صدر البلاد خطر يشبه جعجع في شكله ومضمونه واسمه داعش، ورسالة تتحاشى ذكر ارتكابات جعجع بحق المسيحيين خصوصًا، كي لا تعيد فتح جراح مؤلمة حلّت في بيوت المسيحيين بسكين تدّعي حرصًا عليهم وحماية لهم من وهم اخترعته لكي تسود.

أما بعد..
ينطق جعجع باسمكم زورًا، ويدّعي حرصًا على مقدساتكم فيما يعرف وتعرفون أنه لم ينتهكها سواه، ولن ينتهكها سواه. ولا انتهاك كالكذب، ولا إساءة تبلغ ما تبلغه محاولة إيهامكم بأنّ المقاومة عدوّ لكم، وأن في البلاد فئة تعاديكم وستستهدفكم ما لم يقم هو، بتكليف سفاراتي معادٍ، بحمايتكم.

عرف معظمكم من هو جعجع، ولعلّ في كلّ بيت من بيوتكم وفي ذاكرة كلّ حيّ ومنطقة تعيشون فيها صورة لعزيز سطّر له سمير جعجع نهاية موجعة خلال سنين الحرب الأهلية. وإن كان ملفّ الحرب تلك بكلّ أهواله يندرج اليوم، باتفاق ضمني بين جميع الأطراف اللبنانية، في خانة الماضي الجارح الذي يجب أن يبقى في أدراج مقفلة، فما ارتكبه ويرتكبه جعجع اليوم يشكّل ملفًا عدوانيًا قائمًا بذاته. فالمجزرة في الطيونة وحدها تكفي لتشكيل ملفّ يحمل صورة جعجع في أولى صفحاته، ويشير إليه كشخص خطر، ارتكب القتل العمد، وحاول استدراج القتل المقابل. عمليًا، لم يُدخِل جعجع اليتم والقهر فقط إلى البيوت "الشيعية" التي استشهد أفراد منها في الطيونة، لقد أراد بهذا الارتكاب جعل بيوتكم هدفًا ليتم مقابل، ولقهر لا ينتهي.

بكلام آخر، حاول السفيه استخدامكم مرّة جديدة كمتراس بشري يتلطى خلفه، وكطعم لإيقاع الفتنة التي شبّ وشاب عليها، وما تاب عنها، ولن يتوب.

لكنّه وإذ يتحسّس فشله المتجدّد وخيبته الصارخة، يصرّ على ترسيم أوهامه حدودًا بينكم وبين أهلكم وجيرانكم وأحبتكم، ويصرّ على تنصيب نفسه حاميًا لكم باسمكم، ويتجاهل حقيقة رفضكم له، وتبرّؤكم منه، وشكل خياراتكم الممثلة في ورقة التفاهم التي صارت الوثيقة التاريخية الأهم في تاريخ البلد.

هي رسالة حب تحاكي جموع المسيحيين التي واكبت خطاب السيد نصر الله يوم الإثنين عبر منصات التواصل، ورأت فيه الحقيقة التي يحاول جعجع التعتيم عليها وإظهار عكسها؛ فمن زغرتا إلى زحلة، ومن جبيل إلى جزين، ومن كلّ منطقة وبلدة وقرية وحيّ تُقرع فيه أجراس الكنائس المسيحية، سمعنا اسم السيّد الأمين ملفوفًا بابتهالات مسيحية الطابع والثقافة. "العدرا تحميك.. المسيح يحرسك..". حاول المسيحيون بذلك القول لجعجع أنّ لعبته مكشوفة، وأنّه كعادته فاشل، وكعادته لا يُصدَّق ولا يمكن الوثوق به، فكان السفيه الذي حاول الكثيرون إظهار تبرؤهم منه.
وإن كان نجح في إيهام قلّة بما يريد، فهذه القلّة هي أصلًا معه في مركب الوهم والجريمة.

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف

خبر عاجل