معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

"العربية": "كيد النسا" بنسخة إعلامية
18/12/2021

"العربية": "كيد النسا" بنسخة إعلامية

ليلى عماشا

أن تكون وزيرًا في هذه الأيام، يعني أن تعلم أن الإعلام الخليجي سيخصّص أجراء لديه لمتابعة تحرّكاتك، لتعداد أنفاسك وانتقاء ما لا يتوافق منها مع مزاج أمراء بني سعود وحاشيتهم العابرة للدول والأنظمة والبلاد. ويعني أن هذا الإعلام سيضطر إلى بلوغ أعلى قمم التفاهة والسفاهة في سبيل محاربتك إن قلت حرفًا لا يعجب خاطر أسياده. وهنا لا يصح نقد هذا الإعلام من خلال القياسات المهنية والمعايير المتعارف عليها، فهو فاقد لأدنى هذه المعايير، وكما لا يجوز توصيف إيراد "خبر عاجل غير مهم" عن استقالة وزير الإعلام اللبناني بخبر لا مهني تمّت صياغته بطريقة كيدية، لأن اللامهنية هنا بديهية لا نقاش فيها وهي صفة ملازمة لجميع إعلاميي التسَعود من مختلف الجنسيات والمشارب، لا يجوز وصف المذيعة الممتعضة من حديث وزير الزراعة اللبنانية بالفاقدة للأهلية المهنية، على اعتبار أن فقدان الأهلية المهنية هو الشرط الأساسي للعمل في مستنقعات الإعلام الخليجي والمتخلجِن (أي الناطق بلسان المموّل الخليجي) على حد سواء.

ما يدعو للاستغراب إذًا ليس اللغة السفيهة التي تتعمّد إهانة لبنان، وليس الحقد الظاهر على آخر كلّ كلمة، وليس طبعًا الجانب المبدع في تحدّي الذات بالتفاهة والانبطاح، فكلّ هذا يدخل في إطار النمط الطبيعي لهذا الإعلام، ويدخل في تركيبة علّة وجوده كمنصّات وُجدت لتسطيح العقول وتشويه الصور الحقيقية في مختلف المجالات. الذي يدعو للاستغراب فعلًا هو عجز هؤلاء عن استيعاب صغر حجمهم وقلة تأثيرهم بعد أن صدّقوا أنّهم إعلاميون عاملون في مؤسسات تُدعى زورًا بالمؤسسات الإعلامية والمحطات التلفزيونية، وهي في الواقع عبارة عن مسرح دمى يقدّم سيناريوهات ركيكة في قالب تافه وسياقات يرسمها الكيد وجنون العظمة.

دعونا نتناول آخر ابداعات قناة "العربية"، والتي بدأت بالكذب منذ سُمّيت بالعربية، بعكس واقعها العبريّ اللغة والصهيوني الهوية.
فيديو تظهر فيه مذيعة فاتتها على ما يبدو جميع المحاضرات الجامعية المتعلقة بالتخصّص الإعلامي وبكيفية مخاطبة الجمهور عبر الشاشة، وطبعًا جميع قواعد التربية وحسن التصرّف، بحيث إنّك إن ضغطت زرّ إخفاء الصوت من تلفازك وأنت تشاهدها ستظنها ممثلة مبتدئة تؤدي حركات وجه مبتذلة، ويُخيّل إليك أنّها تتحدّث بكيدٍ شوارعيّ اللغة عن جارة تغار منها أو تتناول بالسوء اسم ولد في الحيّ تفوّق في المدرسة لتغطي حقيقة فشل ابنها وطرده من المدرسة. تعيد رفع الصوت فتسمعها وهي تصف حديث وزير الزراعة اللبناني بالحماقة. تظن للوهلة الأولى أنه وردت معلومات عن تورط الرجل في جرم شائن، وقبل أن تحاول تخيّل نوع هذا الجرم يُعرض مقطع مصوّر عما ارتكب الوزير فتكتشف أن فِعلته هي التحدث باحترام وتهذيب عن زميله المستقيل جورج قرداحي. في هذه اللحظة ستجتاحك نوبة من الضحك المترافق مع شعور بالغثيان.
هذه المرأة تبذل كلّ جهدها الشفهي والتعبيري لتظهر بالشكل الذي يتيح للمشاهد أن يفهم أنّها ومؤسستها الإعلامية وكلّ من يرى في بني سعود مصدر ارتزاقه مفلسون حدّ اظهار كلّ ما فيهم من وقاحة وقلة قيمة من دون خجل ولا احترام لأدنى معايير التفاعل البشري الموثّق والمسجّل.

لا شكّ بأن تحوّل المذيع إلى مؤدّ لحركات استعراضية هو تقليد تافه لنموذج المذيع الغربي الذي يتفاعل مع الخبر الذي يؤديه بحيث يُظهر في كلّ تفاصيل حركته على الشاشة موقفه الشخصي من الحبر الذي وجب أن تنحصر مهمته في إبلاغه للمشاهدين. وإن كانت النسخة الأصلية تافهة وموحية بتدني المستوى الأخلاقي والتفاعليّ، فما حال النسخة المقلّدة التي تتفوق على نفسها في إظهار وتظهير السطحية والتفاهة، كي لا نقول الحماقة؟

منذ وقت طويل يتعمد الإعلام السعودي بكلّ فروعه إهانة لبنان، وزادت كثافة تعمّد الإهانة المشهودة في الآونة الأخيرة، إلا أنّه، والحق يقال، تستحق قناة "العربية" شهادة اللاجودة في تقديم المواد الإعلامية وكذلك وسام الأكثر كيدًا في التغطيات الإخبارية العاجلة "غير المهمة". وبالنتيجة، لا يُنتظر من إعلام مطبّع ارتكب جرم الخيانة العظمى على الملأ، أن يتحدث باحترام عمّن تحدوا مموليه وصنّاعه، فهؤلاء لم يُخجلهم السقوط في مستنقع مياه التطبيع الآسنة، ولم تُحرجهم رائحة العمالة المقرفة التي تفوح من كلّ حرف ينطقون به، وبالتالي لن يجدوا في أنفسهم ما يمنعهم من مواصلة السقوط نحو الإساءة المتعمدة وغير المبررة لكلّ ما ومن يمتلك شرفًا أضاعوه هم في أزقة نتنة لعقوها ولاءً لحامل أكياس المال الرخيصة الذي ينادونه بطويل العمر. أطال الله بعمرهم وبعمره كي يشهدوا بأعينهم التي حُجبت عنها رؤية الحق، كيف الحق، كل حق، يبلغ النهاية منتصرًا ويودعهم أمانة محفوظة في مزابل التاريخ والإعلام.

الإعلام

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف

خبر عاجل