معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

فلسطين من فوهة البندقية: لا مجد الا للسلاح
11/04/2022

فلسطين من فوهة البندقية: لا مجد الا للسلاح

ايهاب زكي

"ورشاشك يعقد قمته منفرداً.. ونعالك في قمتهم" - مظفر النواب

لا مجد إلّا للسلاح، ولا مفاوضات إلّا بالسلاح، فهذي فلسطين ليست عقارًا، حتى تصلح للتنازع القانوني، والعصابات الصهيونية لم تستولِ على فلسطين بصكوكٍ قانونية، بل انتزعتها بقوة النار. إنّ المدنيين الذين قتلتهم العصابات الصهيونية على امتداد الجغرافيا الفلسطينية، كانوا مجرد مواطنين، يعملون في بلادهم زرعًا وصناعةً وتعليمًا، ولم يحملوا السلاح يومًا، وكانوا مجرد أطفالٍ يلهون في حقولهم أو يرتادون مدارسهم، وحتى أجنّة في بطون أمهاتهم، وكُنَّ مجرد نسوةٍ يقرنَ في بيوتهن أو يعملن في حقولهن، أو أيًا كانت مشاغلهن.

وهؤلاء جميعًا بعكس مستوطني الكيان المؤقت، الذين يخبئون تحت ملابسهم المدنية، الرقم العسكري واسم الوحدة العسكرية، ويحملون سلاح القتل، وينتظرون على الدوام جواب الاستدعاء العسكري للالتحاق بالجبهة نساءً ورجالاً، ليبدأوا القتل وارتكاب المجازر، هذا على افتراض تغييب الجُرم الأصلي للمستوطن، وهو مجرد وجوده هنا، فهذا الوجود هو عدوان مكتمل الأركان، حتى لو كان يعيش في دار مسنين.

هناك استحالةٌ مطلقة لرؤية فلسطين على طاولة تفاوض، أو في قاعة محكمة، فلسطين لا تُرى إلّا من فوهة بندقية، لأنّ فلسطين التفاوض مجرد عقارٍ مقطع الأوصال، وفلسطين في قاعات المحاكم مجرد جغرافيا للتسول الإنساني، بينما فلسطين التاريخية والعربية والإسلامية، فلسطين المتعلق بها مصير أمّة ومستقبل العالم، هي التي نعرفها ونراها من فوهة البندقية.

وقت توقيع اتفاقية أوسلو، كان رعد خازم مولودًا أو لم يولد بعد، أي أنّه وُلد في زمن وضع فلسطين على الطاولة، وأرادوا له ولجيله والأجيال اللاحقة، ألّا يعرفوا سوى فلسطين الطاولة، فيكبرون وقد تطبّع وعيهم معها وعليها، فيبدأ وعيهم باستسهال التفاوض على ما تبقى من فلسطين التاريخية، لأنّه بالأصل لا يعرفها، وهكذا دواليك حتى يأتي جيلٌ فلا يرى على الطاولة إلّا "إنسانية إسرائيلية"، تمنح الطارئين الفلسطينيين فتاتًا من خبز، وعفوًا كريمًا من ضريبة الأوكسجين.

لكن رعد وجيله، لم ينظروا إلى الطاولة أصلاً، لأنهم لا يعيشون في فلسطين، بل إنّ فلسطين تسوّر قلوبهم، وتولد في لُبهم وتجري منهم مجرى الدم، وكل شهيدٍ يحبس فلسطينه في شرايينه، وهذي الفلسطين خاصته هي ما تفسر نزق ثورته وفوران دمه، وحين يستشهد ينزفها، فيرتاح هو، وهي تلتقي بفلسطينيين آخرين نزفوا قبله فلسطينهم على ذات التراب، ثم تعود جميعها لشرايين آخرين من المنتظرين.

إنّ الكيان المؤقت مهما أوتي من علمٍ وتكنولوجيا، لا يمكن أن يفهم هذه اللغة بين الإنسان وأوردته، ولا يمكن أن يمنع تغلغل هذا التراب في شرايين أبنائه، فالطارئون مهما مكثوا، لا يمكنهم الشعور بمعنى المكان، فلا يمكن لورقة خريف أن تدرك صمود الجذور.

ماذا لو عكسنا السيناريو، حيث نفترض أنّ مستوطنًا تسلل إلى مدينة فلسطينية، ولتكن غزة مثلاً أو رفح أو جنين، واختار مطعمًا أو مقهى وبدأ بإطلاق النار، فكيف سيكون السيناريو؟ سيصيب البعض، ولكن على الفور ستبدأ مهاجمته ومطاردته، دون الحاجة لتدخل فصائل مقاومة، وسيُقتل بعد دقيقتين على الأرجح، بأيدي الناس ضربًا، وسريان مثل هذا الخبر، سيدفع بالناس إلى الشوارع، ولن يجد شارعًا فارغًا أو زقاقًا يستخدمه للهروب.

وهذا مشهد مغايرٌ تمامًا لما يحدث بمجرد سماع المستوطنين لخبر وجود فدائي في شوارعهم، حيث يشعرون بالخوف والشلل، لأنّ علاقتهم بالأرض علاقة أوراق الخريف لا علاقة الجذور.

حين يبدأ رئيس وزراء الكيان المؤقت العمل كشرطي، ويتحدث كشرطي ويتصرف كشرطي، فهذا يعني أنّه لا يريد ارتكاب حماقاتٍ، يدفع الكيان المؤقت ثمنها من وجوده وبقائه، لكنه يريد الاعتماد على المطبعين لتخفيض نسبة التوتر، وليس آخرها مثلاً الإعلان عن قرار أوقاف القدس، التابعة للأوقاف الأردنية، بمنع الاعتكاف في المسجد الأقصى، فيعربد المستوطنون والجنود دون احتكاكٍ بالمعتكفين، ولكن الأدرن لم يشترط مقابل منع الاعتكاف، منع الاقتحامات والاستفزازت.

إنّ ركون الكيان المؤقت لمثل هؤلاء ولمثل هذه القرارات، ينمّ عن غلّ اليد، ويشي بأنّهم في الكيان أكثر من يدرك أنّ كيانهم مؤقت، لذا يحاولون كسب أكبر قدرٍ ممكن من البقاء، ولكن حين تعزف البنادق لحنها الأخير، لن تبقى معضلة مع ذاك الكيان، سوى المتحف التاريخي الذي سيحوي بقاياه، ولن يتبقى لتلك القمم التطبيعية الخيانية إلّا النعال.

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف

خبر عاجل