نقاط على الحروف
انتخابات بين محور القدس ومحور "الحشمونائيم"
ايهاب زكي
لم يختلق إيهود باراك بدعةً حين قال في مقال لـ"يديعوت أحرونوت" إنّه "على مرّ التاريخ، لم تُعمِّر دولة لليهود أكثر من 80 عاماً، إلّا في فترتين استثنائيتين، بدأتا في التفكك في عقدهما الثامن، حيث إنّ تجربة الدولة العبرية الحالية، هي الآن في عقدها الثامن، لذلك أخشى أن تنزل بها هذه اللعنة كما نزلت بسابقاتها"، فقد سبقه نتن ياهو في العام 2017، حين فاجأ الحضور في بيته بمناسبة ما يسمى "عيد العرش"، وقال "إنّ وجود "إسرائيل" ليس بديهياً، وإنّ دولة "الحشمونائيم" نجت فقط 80 عاماً"، وإنّه يعمل على "نجاة "إسرائيل" من المخاطر الوجودية لتصل إلى عمر المئة عام". وفي ذات السياق أعاد رئيس ما يُعرف بــ"مجلس الأمن القومي" السابق الجنرال عوزي دايان، في مقالٍ له بعنوان "لعنة العقد الثامن"، تذكير "الإسرائيليين" بتلك اللعنة المرتبطة بالعقد الثامن، خصوصاً دولة "الحشمونائيم" الأطول عمراً.
وهذه الإرهاصات والتوجسات لا تعمل في الفراغ، ولا تأتي من فراغ، وهي كثيرة وغزيرة، وما أوردناه آنفاً هو على سبيل المثال لا الحصر، ولكن ماذا لو تعلم التاريخ لغة الإسفاف، ودخل حسب تعبير الشاعر عبد الرحمن الأبنودي "في أغبى كمين"، ونجح المخطط الأمريكي الصهيوني في إسقاط سوريا، وبالتالي تفكيك محور القدس، وأصبحت سوريا ولبنان دولتين تطبيعيتين، هل كان لتلك التوجسات من وجاهة؟ خصوصاً في ظل السُعار التطبيعي لأنظمةٍ عربية تطبيعية، تلاحقها كذلك لعنة العقد الثامن، وليس هذا على التاريخ ببعيد.
ونحن في هذا التوقيت حيث يجول الكيان المؤقت في عقده الثامن، نعيش على أبواب الانتخابات اللبنانية، حيث يتنافس محوران للفوز بالمقاعد النيابية، محورٌ يتطلع لتحقيق الهواجس الصهيونية، وآخر يريد تفوق الكيان على دولة "الحشمونائيم" عمراً، ويضع نزع السلاح الذي يهجس به الكيان ويتوجسه ليل نهار، ويعتبره أحد أكثر هواجس الزوال خطورة، يضعه على قائمة برنامجه الانتخابي، وكأنّ لبنان في حال نزع قوته، ستعامله "إسرائيل" بنديةٍ و"حِنية"، ولن تقدم على ابتلاعه أرضاً وثروةً وأسلوب عيش.
الحقيقة أنّ ظنّ ذلك الفريق ليس كما نتوقع نحن في محور القدس، بأنّه لولا هذا السلاح لما كان هناك لبنان بالأصل، حتى يكون هناك انتخابات يتبجحون فيها بعدائهم للسلاح، ولا يعتبرون الانتخابات نتيجة طبيعية لحماية السلاح للحدود، وبالتالي للدولة ومؤسساتها وديمقراطيتها، بل من الواضح أنّهم يظنون أنّه في حال نزع السلاح، وبدء لبنان بعمليةٍ تطبيعية، تؤدي لأن يصبح لبنان تحت الوصاية "الإسرائيلية"، لن تكون هناك حاجة للتنافس أو لبرامج انتخابية، حيث ستقوم أجهزة الكيان المؤقت الاستخبارية، بتعيين النواب واختيار الكتل النيابية وتزكية الرؤساء الثلاثة، وهذا شكلٌ فاضحٌ جداً من أشكال الخيانة وشكلٌ مريحٌ جداً من أشكال الوصولية.
وهذا الفريق يقوده سفراء النفط، خصوصاً السفير السعوي، مقابل بعض المال على شحه، ويبدو أنّ هذا السفير قد حصل على الجنسية اللبنانية مؤخراً بشكلٍ سرّي، لأنّه لا تفسير لسلوكاته الانتخابية، سوى حصوله على الجنسية اللبنانية، حيث يتصرف باعتبار أنّ الناخبين هم عطية الملك السعودي له، أو كأنّهم بعض متاعٍ ورثه عن أجداده، أو كأنّ المرشحين الذين يخفضون له جناح الذلّة من الطاعة، عبيد حقله وعبيد سفارته، ويريد منهم أن يجعلوا لبنان ذيلاً سعودياً، تحركه متى شاءت عن أقدام الكيان المؤقت.
إنّ الناخب اللبناني، الذي تذوّق معنى الانتصار وطعم الكرامة، لا تغريه ابتسامات السفير الصفراء، ولا تستفز لهاثه الريالات اللئيمة، التي يغلها السفير إلى عنقه إلّا لمن "تأسرل"، أو كشف عن قابليته للـ"أسرلة"، فالناخب الذي رأى مقاومته قد أشبعت "إسرائيل" وتكفيرييها هزائم، قد فُطم عن استساغة الانبطاح، الانبطاح الذي يحاول السفير دسّه في عسل التعايش الإسلامي - المسيحي، وعسل مشاريع "الفنكوش" لمملكة "الخير".
وأخيراً هناك خطأ فادح يرتكبه البعض، تحت ضغط الهجوم السافر على كل ما يمت للمقاومة بصلة، حيث يعتبرون أنّ الانتخابات ونتائجها هي مصدر شرعية لنهج المقاومة عموماً، ولحزب الله خصوصاً، بينما الحقيقة أنّ دخول المقاومة لمضمار التنافس الانتخابي، لا علاقة له باكتساب الشرعية، حيث إنّ التحرير الأول والتحرير الثاني والحماية وتوازن الردع، تضمن تلك الشرعية دون لبس، شرعاً وقانوناً وعرفاً، إنما دخولها للسباق الانتخابي، هو جزء من نهج المقاومة بخدمة شعبها، وهو محاولة لخدمة الناس من داخل المعبد، دون الاقتراب من التفكير بهدمه على رؤوس الجميع، كما كان سيحدث فيما لو امتلك منافسوها الانتخابيون قوتها وقدرتها، لذلك فإنّ المقاومة تعي أنّ مسؤولياتها جسيمة، في تحقيق العيش الكريم لشعبها، ولا تقلّ جسامةً عن مسؤوليتها في حمايته، وهذا الواجب يتطلب وجوداً فاعلاً على المستوى الرسمي، وكما أنّها على يقينٍ من أنّ شعبها جديرٌ بحمايتها، فهي على يقينٌ بأنّ شعبها يراها جديرة باحتضانه لها، لأنّه يعرف أنّه بانتهاء الدورة الانتخابية بعد أربع سنوات، يكون الكيان المؤقت اقترب بشدة، من نهاية عقده الثامن.
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
22/11/2024
الإعلام المقاوم شريك الجهاد والتضحيات
20/11/2024
ما بين عامَي 1948 و2024 ما الذي تغيّر؟
20/11/2024
أن تصبح سردية العدو شغل LBCI الشاغل!
18/11/2024
عن قائد كتيبة الإعلام المحارب..
16/11/2024