معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

أربعون ربيعًا لكل الفصول ‎‎
25/08/2022

أربعون ربيعًا لكل الفصول ‎‎

يونس عودة

جمهور متفاعل الى الحد الأقصى، حابس الأنفاس، يتابع العمل الفني ـ الثقافي الرائع وغير المسبوق في المزج، قلّما يصدر تعليق من هنا أو هناك، غلبت الأصابع والعيون همهمات الأصوات في الاشارة إلى ما يظهر على الخشبة الرحبة، إلا في لحظة الاندهاش الأكبر حيث يعلو التصفيق. عمل احتوى محطات محوريّة في مسيرة أربعين عامًا بما فيها، من معاناة التأسيس الى التضحيات بكل حب، ولذة العطاء في الحياة، وكيف يجب أن تحب الحياة.

"أبجدية النصر" حكاية لأربعين ربيعًا تمددت في الفصول الأربعة براعم وأزهارا وثمارا تتوالد بذاتها من رحم المعاناة إلى تحقيق الانتصارات، فالنصر الآتي مجددًا.

تجسّدت الاحتفالية الشعبية المهيبة من حيث الحكاية، في فصول تلتمس نتائجها كل يوم وساعة. الاداء والاتقان المبسط ـ المؤثر، وان كان لبعض النقاد الفنيين رأي آخر، غطاه تفاعل الجمهور الذي اضفى لمساته على السينوغرافيا، في ساحة عاشوراء وهو يلبي هادرا النداء، الباعث للقشعريرة: لبيك يا نصرالله.

لم يترك الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله مسألة لم يتطرق إليها وإن اختزل الكثير من خطابه. وبكل وضوح ويقين مع التأكيد والاصرار على قيم نصرة ودعم من يتعرض للاضطهاد أينما كان، والاستمرار بالنهج مهما بلغت وغلت التضحيات لا سيّما في مواجهة واحباط مرامي وأهداف الكيان الصهيوني المؤقت، ورفض الانجرار الى أي فتنة داخلية. وقدّم الامين العام شواهد عدة في هذا السياق، وحول كيفية تلافي الحزب في السابق فتن أعدّتها الدوائر السوداء في السفارة الأميركية. مهمّة أخرى تناولها السيد، وهي إعلان الثقة بالأجيال الصاعدة، وخصّص الذين ولدوا بعد العام 2000 ولم يشهدوا اندحار الاحتلال ويعيشون بركات التحرير، بالثقة بحمل الراية مع الاصرارعلى التحصيل العلمي.

هذه القضايا غيض من فيض الهواجس ـ الأمنيات القابلة للتحقيق بسهولة مع ارادة فولاذية، عمقها اليقين بالحق، وهي التي جعلت أركان العدو يغرقون في القلق والتعبير عنه، لأن الوقت لا يتسع لا بل يضيق أمام الأميركي، حامل الجواب الاسرائيلي في قضية الحقوق اللبنانية واستخراجها. وعليه بدأ المحللون الصهاينة عملية حسابية عن كم الصواريخ التي سوف تتساقط على أهداف في الكيان ومن بينها الدقيقة، وماذا ستستهدف، ومدى قدرة "اسرائيل" على التحمل في حال كان الجواب سلبيًا، مع حسابات داخلية حساسة، منها ما يمكن أن يطيح نهائيًا بالمستقبل السياسي لرموز ارتبط تاريخها بالجرائم والعدوان كثقافة قام عليها الكيان.

بغض النظر عن الحسابات والتحليلات الاسرائيلية، فإن ما أعلنه وزير الحرب الصهيوني بني غانتس يعكس الاعتراف بأن زمام المبادرة بيد المقاومة بقوله إن "إسرائيل أعلنت أنها ستحمي مواردها ومستعدة للتوصل إلى اتفاقات مع الحكومة اللبنانية" وأنه "يأمل ألا يجر حزب الله إسرائيل إلى صراع مسلح".

كم من مرة هدد قادة الاحتلال بشن حروب وكانوا لا يدركون ما لدى المقاومة من قدرات؟ وكم من مرة جرجروا أذيال الهزيمة، هزائم أنتجت خطابا اسرائيليًا بات يعتمد تعابير الأمل "بألا يجر حزب الله اسرائيل الى صراع مسلح"؟ وحتما الآن لا يدركون حجم المفاجآت التي ستكون ولا من أين سيأتون ومن أين سيخرجون حاملين الرايات.

لقد أكد السيد نصر الله أنه "في المرحلة المقبلة المطلوب تطوير بنية وقدرات المقاومة والتأكيد على معادلة الجيش والشعب والمقاومة لأنها أثبتت جدواها"، وتابع "المطلوب في المرحلة المقبلة الحفاظ على المقاومة وحضورها وجهوزيتها ولا يتصورن أحد أن الحملات الدعائية والضوضاء والتوهين والاساءات والشتائم والشائعات بمكن أن تفت من عزيمة هذه المقاومة"، وشدد على ان "المطلوب العمل على تحرير بقية الأرض اللبنانية المحتلة"، ولفت الى انه "من المهمات تثبيت معادلات الردع لحماية لبنان أرضًا وكرامة وموارد وثروات".

 حتى تحل الساعة المنتظرة، يبدو أن القلق يأكل أدمغة قادة العدو على المستويات المختلفة. وفي هذا الاطار، قال محلل "يديعوت احرنوت" يوسي يهوشوع إن "الكلمات المتكررة لقائد حزب الله "السيد" حسن نصر الله تقلق "إسرائيل"، حتى لو كان يخطط ليوم واحد فقط من القتال، وحتى لو لم تكن "إسرائيل" مهتمة بالحرب، فالمشكلة بالنسبة للطرفين هي في شدة النيران التي سيستخدمها الطرفان".

لقد طرح السيد نصر الله تصورًا لحل المشاكل الداخلية مع الاصرار على رفض الانجرار إلى أي فتنة تحاك هنا أو هناك، وكذلك التمسك بالحلفاء، إلا الذي يريد الفكاك فهذا شأنه: "نؤمن بقوة بمبدأ الشراكة الوطنية الحقيقية بين مختلف المكونات بعيدًا عن الاستئصال والالغاء ونتطلع الى دولة سيدة مستقلة حقيقية وفي قراراتها لا تخضع لا لسفارة أميركية ولا لأي هيمنة خارجية"، مشيرًا إلى أنه "يبدو أن مستوى تدخل السفارة الأميركية في تفاصيل في الوزارات اللبنانية أكثر من أي وقت مضى ويُلتزَم ويُخضَع لها".

إن المطلوب اليوم الاستجابة إلى الدعوة لشراكة وطنية حقيقية، ومن يرفض ذلك فهو يصنف نفسه إما إلغائيًا أو تابعًا يتحرك وفق مصالح خارجية لا علاقة لها بالسيادة ولا بكل المصطلحات التي راجت كظلال للهروب من الحقيقة الوطنية. وقد شهد اللبنانيون بداية حملة توهين جديدة رافقتها شائعات معروفة المصدر بتهديد إحدى السفارات ومحاولة الصاق التهمة كالعادة بجهة محددة، لان القوى الرافضة لانقاذ لبنان تعيش على الفتن وتنمو على الفطريات السامة نتيجة ثقافة العجز والارتماء في حضن وصي أيًا كان الوصي الذي يؤمن لها غايات فئوية من دون أن تدرك أن في الوحدة الوطنية قوة إن انخرطت فيها تكون حظوظها أعلى على كل المستويات.

إن الثقافة المذكورة لطالما أثبتت خزيها، وفي لبنان الكثير من التجارب التي وإن نجحت في جولة سرعان ما تنطفئ في الأخرى، حتى لو كانت الظروف الدولية المساندة لها في أوجها. هكذا كان الأمر قبيل الربيع الأول للمقاومة، وهذا ما حدث عام 2005 واعتقدوا واهمين أن الوصية السياسية ـ السفارة الاميركية ـ وأوصياءها الذين يأكلون من مالها ويضربون بسيفها المتهالك يمكن أن يطيلوا أمد الباطل.

بعد أربعين ربيعًا عبق أريجها في كل الفصول وتحققت آمال كبرى ارتوت بدماء غالية، وجراح شامخة، فإن الأريج الآتي لا بد أنه فوّاح بعبق خاص، لكنه مستمد من روح وثقافة ما سبق، ولذلك توجه السيد نصر الله للجيل الجديد بالقول: "نراهن عليكم أنتم الشباب والشابات ستحملون الراية وستحققون الأهداف والآمال".

الأربعون ربيعاً

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف

خبر عاجل