معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

"ركب الأحرار" السفرُ إلى كربلاء
26/08/2022

"ركب الأحرار" السفرُ إلى كربلاء

زهراء جوني

على مساحة 2500 متر مربع تأخذك خيمٌ سبعة إلى كربلاء. تحملُ روحك عند الخيمة الأولى وتسافر بها في عالمٍ من الفنّ الجميل، وكلما حاولت أن تستقرّ بها في مكان ما، خرجت إليك مئاتُ الأفكار الإبداعية لتخاطب مشاعرك وقلبك المسكون بحب الإمام الحسين (ع).

معرض "ركب الأحرار"؛ فكرة شبابية أراد عبرها القيّمون على العمل أن يجسدوا ذكرى عاشوراء بجمع الأبعاد الفنية في منطقة واحدة وعبر ثلاث وأربعين مشهدية، يستطيع خلالها الزائر أن يشعر بالإمام الحسين(ع) وما حصل معه في كربلاء عبر الفنون السمعية والبصرية وباستخدام التصاميم والمجسمات وبعض المؤثرات التي تنقلك إلى قلب واقعة كربلاء لتلمس بروحك حقيقة الألم وعظمة التضحيات التي قدّمها الحسين(ع) وأهل بيته.

يقوم المعرض على مجموعة ثنائيات كما يشرحها مسؤول العمل الشبابي والإعلام الرقمي في منطقة جبل عامل الأولى سلمان حرب؛ ثنائية العباس(ع) والحسين(ع)، الثنائية التي ذهبت باتجاه هدف احد وتجسدت بحقيقة واحدة، فكانت المنطلق بالمعرض، يقابلها ثنائية من حيث العرض؛ داخلي وخارجي، ومن حيث أدوات العرض الحديثة والقديمة، بالإضافة إلى ثنائية السيناريو التي جمعت بين كربلاء الماضي وكربلاء الحاضر التي يجسدها حزب الله عبر مقاومته، والربط بينهما.  

"ركب الأحرار" السفرُ إلى كربلاء

لا تخرج من الخيمة الأخيرة كما تدخل أولها. تستقبلك في البداية رسائل شهداء المقاومة الإسلامية لقائدهم ووصاياهم بعدم خذلان المسيرة وتصديق الولاء بالدمّ، يقابلها رسائل أهل الكوفة والبصرة لإمام زمانهم قبل 1400 عام وما رافقها من حبّ الدنيا وخذلان الإمام. وخلف الرسائل ترتفع رايات أصحاب الإمام الحسين(ع) في كربلاء مصحوبةً براية حزب الله من هذا الزمان.

وتبدأ الخيم اللاحقة بسرد واقعة الطف؛ تضعك أمام أربع مشهديات تختصر بعناصر فنية وحبكة إبداعية فكرة الولاية والصلاة، والطفولة المقتولة، والحجاب، وضراوة القتال. تجد نفسك مُبحراً بروحك وفكرك وجسدك بين الحاضر والماضي، بين الطفل الرضيع المذبوح بين يدي والده الحسين(ع) وأطفال قانا المضرجين بدمائهم تحت الركام، بين صرخة الحسين(ع): "أرضيت يا ربّ خذ حتى ترضى"، ونداء الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله يوم شهادة ولده هادي والرضى بقضاء الله والامتنان، تجسيداً لمفهوم الولاية وتقديم الأرواح لتكون بعين الله.

ثم تتقدم أكثر في الممرات التي تصل الخيمة بالأخرى، فتنكسر أمام أعظم مشهد بعد قتل الحسين(ع)، ترى القيود التي تمسك معصم زينب(ع) والسبايا، وانحناء الإمام زين العابدين لشدة المرض رغم ما جسّده من صلابة وقوة، وفي لحظة ما يُفتح أمامك الستار فتشعر بعظمة المشهد الذي حاول القيمون تجسيده للحسين(ع) مقطوع الرأس ممثلاً بالملائكة. هنا فقط تشعر أنك في اللامكان وخارج كل زمان وتفقد القدرة على الكلام. ولأن معرض ركب الأحرار قائم على الربط بين الحاضر والماضي، يطالعك في حكاية الرأس صور شهداء المقاومة الإسلامية الذين واسوا الحسين(ع) برؤوسهم المقطوعة وأجسادهم المضرجة بالدماء.

وللقلوب المشتاقة لزيارة قبر الحسين(ع)، والمتلهّفين لرحلة المسير من النجف إلى كربلاء، هنا في معرض ركب الأحرار، خيمة لزوار الأربعين وطريق "المشاية" ومضيف أبي عبد الله الحسين(ع)، يزينها ضريحه المبارك وأولى عبارات الزيارة "السلام على الحسين"، مع مشهد الحشود الضخمة في الأربعين الذي تخطوا العشرين ألف زائر بعد أن كان الحسين(ع) وحيداً في كربلاء.

"ركب الأحرار" السفرُ إلى كربلاء

ولا يمكن أن تخرج من مقام الحسين(ع) إلا إلى الجنة. وهناك مشهدية الجهاد والشهداء ومرآة النفس التي ترى من خلالها نفسك وأعمالك. ومن الجنة إلى الجهاد؛ الخيمتان المتصلتان اللتان لا تحتاجان إلى ممرّ، لأن "الجهاد باب من أبواب الجنة فتحه الله لخاصة أوليائه..". وتختم رحلة المسير من وصايا الشهداء إلى عتادهم وأسلحتهم وقادتهم كالحاج قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، معهم سيف الحسين(ع) وخوذة الأصحاب وفسحة لعبارات الزوار ورسائلهم في ختام المعرض.

هكذا يكون معرض ركب الأحرار قد جسّد باسمه ومعناه حقيقة كربلاء الماضي وواقع الجهاد اليوم، حين يمشي المقاوم في ركب الحسين(ع) وعلى أثره دون أن يحيد عنه خطوة واحدة.

المعرض الذي امتدّ على مدار سبعة عشر يوماً من أيام شهر محرم، شهد نسبة إقبال وتفاعل كبيرة جداً بحسب مسؤول العمل الشبابي والإعلام الرقمي في منطقة جبل عامل الأولى سلمان حرب، فقد قارب عدد زوار المعرض قبيل موعد اقفاله 7000 زائر من مختلف المناطق اللبنانية والطوائف اللبنانية، بينهم رجال دين مسلمين ومسيحيين، عاينوا بنظرهم وقلوبهم المحراب والصليب، وكذلك زار المعرض عوائل شهداء وجمعيات أهلية، وكان واضحاً حجم التفاعل من ناحية تركيز السيرة العاشورائية، التأثر بالعرض الفني والمزج بين كل الأبعاد الفنية والمؤثرات الموجودة، وانعكس ذلك في تصريحاتهم وتفاعلهم مع المشاهد التي غلبها الدموع في أكثر من مكان.

وقد رافق المعرض طيلة فترة وجوده في منطقة صور جنوب لبنان، أعمال وأنشطة فنية ثقافية وفكرية، فأقامت المنطقة الأولى في جبل عامل على ضفاف المعرض مرسما عاشورائيا، منتدى شعريا، معرض كتاب، على أن تستكمل الأنشطة والأعمال بمجلس لطم، عرض مسرحي، وندوة فكرية تجمع رجال دين من أديان متعددة يناقشون فكرة الإمام الحسين(ع).

لم تُخلق فكرة المعرض اليوم بحسب ما يؤكد حرب، هي نتاج عمل سنوات مع شباب الجامعات الخاصة في منطقة بيروت، سبق وأن وُضعت الفكرة على جدول أعمال قديم دون حصول توفيق لتحقيقها. لكنّ المسؤولية دفعت حرب إلى تطوير الفكرة اليوم وتنفيذ جذورها كي لا تذهب أحلام الشباب سُدى ولا يبقى الدين تجاه هؤلاء الطلاب معلّقاً، فكانت ثمرة الانتظار بعد كل هذه السنوات بالاضافة الى الجهود التي بذلها الشباب اليوم، إنتاجٌ ضخم لا يمكن أن ينتهي مع انتهاء المعرض ولا يُمحى أثره مع الزمن.

عاشوراء 1444

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف

خبر عاجل