نقاط على الحروف
الجولان.. كيف تكون السياسة
خالد رزق (*)
من بين كل القرارات العدائية التي اتخذها الرئيس الأمريكي صهيوني الهوى دونالد ترامب تطرفاً وشذوذاً يقف قراره الأخير بإعلان موافقة بلاده على ضم الجولان السوري المحتل للكيان الصهيوني متفرداً من حيث مبلغ استخفافه بالقانون الدولي واستهانته بحدود الغضب الشعبي في عموم أمتنا العربية.
وصحيح أن القرار جاء متسقاً مع نهج تعاطي الرئيس المأفون نفسه ومنذ تسلمه السلطة مع قضايانا العربية، إذ سبق وأعطى اعترافاً للصهاينة بيهودية القدس واعتبرها عاصمة لكيان الاحتلال.. غير إعلانه وفي أكثر من مناسبة تأثيم الفعل المقاوم والسياسي لحزب الله الباحث عن الأمن لبلاده وعن تحرير أرضها في سياقات العمل النضالي المشروع في القانون الدولي وبالعرف الإنساني. إلا أن القرار الأخير في شأن الجولان ورغم اختلاف قد يراه البعض بين المكانة الوجدانية للمرتفعات السورية والقدس باعتبار الأخيرة محل الأقصى وكنيستي المهد والقيامة، جاء صادماً ولأسباب جوهرية ليس أهمها ولا أولها أنه ليس هناك ثمة طارئ جديد على ساحة الجولان والحرب السورية الإسرائيلية استدعى صلفاً ونزقاً متهوراً في عدوانية الموقف الأمريكي ليتبدل وعلى نحو تسقط معه الولايات المتحدة كل القوانين والقرارات الدولية والأممية فتعلن نفسها به دولة مارقة خارجة على القانون .
عموماً عودنا الغرب الاستعماري من سايكس ـ بيكو إلى وعد بلفور مروراً بكل حروبنا النضالية من أجل الاستقلال والتحرر وذوداً عن أراضينا على مواقف ظالمة خسيسة لا تقيم للحقوق و للإنسانية اعتباراً، والذي يفعله ترامب اليوم ليس أكثر من جرائم أسلافه في حكم إمبراطوريات الشر الغربي، وهو عندنا وفي كل الأحوال لا يغير في أمر من الأمور شيء فحقوقنا لا يحددها لنا ترامب ولا غيره واستمساكنا بالأرض هنا في الجولان والجنوب اللبناني وفلسطين كلها لن ينتقص منه قرار من مجنون عابر بتاريخ لا يتوقف عنده و مهما طال حكمه فلن يكون لأكثر من ثوان بمعيار زمن نحن فيه منذ بدء التكوين ما قبل التدوين وسنبقى هنا على أرض هي لنا إلى منتهاه.
والحق أنه ليس ترامب بمواقفه الفجة في عدائيتها ولا غيره من أعدائنا هم من يشغلوننا اليوم وإنما الذي يشغلنا ويشغلني شخصياً كمواطن عربي من أبناء هذه الأمة هو كيفية التعاطي الرسمي لأنظمتنا العربية الحاكمة مع هذه المواقف .
وحتى لا يتصور أحد من أصحاب الأصوات الخبيثة النكراء التي صارت تلاحق كل صوت للحق في بلادنا بأننا نطلب من الأنظمة الرسمية تجييش الجيوش وحشد الشعوب لمعركة هي في حقيقة الأمر معركة الوجود والمصير.. أقول إني ومثل كثير من أبناء الأمة لا نعول على هذه الأنظمة في شيء.. فهؤلاء الذين بالحكم وعلى تعاقبهم منذ نهاية سبعينات القرن الماضي ـ أكثرهم إلا قليلاً ـ أسقطوا من حساباتهم كل فعل جدي شجاع على الأرض والأسوأ صار بعضهم يحاصرون ويجرمون بل ويحاربون المرابطين في مواجهة العدو وكل مستمسك بالحقوق حتى وإن لم يزد فعله عن الكلام.
الذي أطلبه ويطلبه من الأنظمة أمثالي ممن تربوا على مبادئ وقيم العروبة والحريات الإنسانية والنضال في سبيل الحقوق ليس أكثر من مواقف رسمية واضحة ثابتة تؤكد على الحقوق العربية وترفض كل خرق للقانون الدولي موجه لبلد من بلاد أمتنا.. فسيئ ومخز جداً أن نرى حكامنا وأنظمتنا على هذا القدر من البلادة والخنوع ولا أقصد هنا الأنظمة الخليجية منها فالأعراب بحقائق التاريخ والجغرافية والدم الموهوب رضاء السائل على الأرض ليسوا منا بمكان والأكثر هم أشد علينا وفي خصومتهم وحقدهم من أعدى الأعداء.
الطبيعي و الذي ليس فيه إعلان لحرب و لا حتى مغامرة بها إن كان هناك ثمة مغامرة أن تكون لأنظمتنا العربية المالكة إرادتها مواقف سياسية أممية و دبلوماسية في مواجهة العدائية التي تفضحها قرارات ترامب ، وليس الأمر في السياسة الدولية أن يخرج وزير خارجية بلد من بلادنا ليقول بأن هذا القرار أو ذاك لترامب و غيره يزيد من تأزم الأوضاع في المنطقة وما إلى ذلك من تصريحات تضعف أكثر مما تقوي.
والحق أن هناك الكثير مما يمكن اتخاذه على مستوى المواقف الرسمية العربية، تعبيراً عن استمساك شعوبنا بالحقوق ورفضها لقرارات ترامب السالبة للحقوق الراسخة من القدس إلى الجولان إلى تجريم المقاومة.. ومن بين الإجراءات التي يفترض بالأنظمة اتخاذها في مواجهة ترامب وهي أقل الإيمان:
1ـ استدعاء سفراء المجنون الأمريكي للاعتراض رسمياً وتأكيد رفض خروقات بلاده للقانون
2ـ التحرك بالأمم المتحدة ضد القرارات الأمريكية ولتأكيد وتثبيت حقوقنا بالأرض
3ـ تحريك دعاوى ضد الإدارة الأمريكية أمام محكمة العدل الدولية
4ـ تحريك دعاوى جنائية ضد ترامب أمام المحاكم الأمريكية
5ـ تحريك دعاوى قضائية ضد ترامب أمام المحاكم المحلية العربية
6ـ تجميد كل الاتفاقات بين أطراف عربية والكيان الصهيوني
7ـ غلق السفارات العربية لدى سلطات الاحتلال
8ـ طرد الدبلوماسيين الصهاينة من السفارات ومكاتب التمثيل على اختلاف مسمياتها ببلداننا
مثل هذه التحركات كلها وبالأقل بعضها وهي سياسية ودبلوماسية وقانونية، هي ما نطلب من الأنظمة العربية التي بعدها تدعي العروبة اللجوء إليها في مواجهة قرارات ترامب التي نرى فيها عدوان على الأمة وليس فقط على سورية ولبنان وفلسطين.
عند أنظمتنا غيبت المبادئ فغابت المواقف.. وصار علينا أن نذكرهم كيف تكون السياسة في زمن اللاحرب زمن وضعوا فيه السيف والترس جانباً.
(*) نائب رئيس تحرير جريدة الأخبار (مصر)
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
22/11/2024
الإعلام المقاوم شريك الجهاد والتضحيات
20/11/2024
ما بين عامَي 1948 و2024 ما الذي تغيّر؟
20/11/2024
أن تصبح سردية العدو شغل LBCI الشاغل!
18/11/2024
عن قائد كتيبة الإعلام المحارب..
16/11/2024