معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

صورة الحاج قاسم.. في وجه سلطان جائر‎‎
22/09/2022

صورة الحاج قاسم.. في وجه سلطان جائر‎‎

ليلى عماشا

في كلّ مرّة نُضطر فيها إلى تمويه صورة الحاج قاسم على منصّات التواصل، شيءٌ كغصّة اعتذار تقصم ظهر قلوبنا؛ فالوجه الذي نلثّمه برسمة قلب أو نخبّئ ملامحه، هو الوجه الذي نلوذ بتفاصيله كلّما تحسّسنا جرح الفقد عند كلّ محطّة فرح أو موعد مع الحزن.

في كلّ مرّة يرد فيها خبر عن تعدٍّ على صورة للحاج، ولا سيّما حيث تفعّل أميركا أدواتها بشعارات واهية ظاهرها حق، تصبح صورته جهاز الكشف عن هويّة حاملي الشعارات، فهم حين يتفاخرون بإحراق أو تمزيق صورة العزيز يعلنون أنّهم في صفّ أميركا.

في كلّ مرّة يعترض فيها متأمركو لبنان على وجود صور الحاج قاسم على طريق المطار وفي الضاحية، يزداد تساؤلنا عن كميّة وكثافة السّواد في قلوب تعجز عن رؤية الحبّ في وجهه، تتعبها حدّة نور الحق الساطع في عينيه، وتُشعرها بالهزيمة خطوط وجهه الحامل حكايات المعارك ولون السّواتر وما تركته عيون الشهداء حول تجاعيد عينيه وهيبة نظرته الثوريّة.

منذ ليلة ارتقائه، وصورته في البيوت أيقونة حبّ، نطالعها إذا أعيانا الهمّ فنسمع "يقينًا كلّه خير"، وإذا أوجعتنا الأيّام نسمع "كيف حالكم". نحدّق في تفاصيلها ويأخذنا الشرود إلى كلّ مكان مرّ فيه، إلى كلّ أرض كان فيها القائد والجندي، إلى كلّ وداع شهيد حضر فيه الحاج مواسيًا العوائل بدمعه ودعائه، عند كلّ جريح زاره الحاج ومسح على جراحه. يأخذنا الشرود إلى ساحات الاشتباك التي كان فيها أوّل الحاضرين، نعبر في ظلّه بين الطلقات، ولو أمكن لضلوعنا أن ترتفع دروعًا تليق بتلقّي الرصاصات فداء له.

نحن البيئة العاطفية التي تُؤخذ عليها انفعالاتها الصادقة حيال الأحداث والمواقف، التي تحتضن من يقول بحقّها كلمة حقّ أو كلمة حب ولو بعد ألف خطيئة، والتي لا تخجل بدمعها في حضرة الأولياء بل تباهي بجمال قدرتها على البكاء العلنيّ عشقًا وتعدّه من شيم الأقوياء ومن علامات الطهر. يجالس معظمنا صور الشهداء، يحدّثهم بالنبض عن حاله، نضحك لضحكة مهدي ياغي، نبتسم لصداقة حسن وياسر، نستحي من عينيْ صلاح غندور، نشدّ عزيمة قلوبنا بصوت السيّد عباس، نغسل قلوبنا بالعاطفة النقية المتدفقة من صوت الشيخ راغب، نخيط جراحنا بلفتات الحاج عماد ونرى في كلّ شهيد قمر نوّار كي تجيد قلوبنا البصر، وحين نمضي في صورة الحاج قاسم، نحاول أن نلوّح بأيدي  قلوبنا إلى جيش الشهداء المتأهب بحبّ عجيب في عمق عيني سيّد شهداء محور المقاومة.

بالأمس، في قاعة مجلس الأمن، رفع السيّد رئيسي صورة الحاج قاسم، الصورة التي تحفل بها قلوبنا وبيوتنا وذاكرتنا رُفعت بوجه قاتليه وحلفائهم وأدواتهم كما لو أنّها سيف يُرفع في وجه سلطان جائر، فيرتعب السلطان بمجرّد أن يسمع صليل الحقّ في معركته ضدّ الباطل، في كلّ الميادين.

المشهد مفرح حدّ البكاء، فيه فيض من العزّة المخضبة بالدم الذي "ليس كأيّ دم"، فيه روحنا وهي تحلّق حرّة بمواجهة طغيان العالم، فيه جمال الثورة التي انتصرت في إيران ونصرت كلّ المستضعفين في الأرض، فيه حقيقة أن الحاج قاسم الشهيد ما زال هنا، ما غادر أرض القتال برهة، وإن ظنّ قاتلوه أنهم بقتله يُضعفون عزيمته، وعزيمة بلاده. ما فعله السيّد رئيسي بالأمس ليس مجرّد حركة تعبيرية مبدعة في محفل دوليّ، ولا مجرّد إظهار موقف محقّ أو وجهة سياسية، هو كلّ ذلك مضافًا إلى القول، بصورة، باسم كل المستضعفين في الأرض إنّ العالم الذي أجمع على قتل الحاج قاسم، بدوله الظالمة أو الضعيفة، بشخصيّاته المتآمرة أو المغرّر بها أو الخاضعة طوعًا هو أصغر من أن يلغي الأثر الفوّاح لقائد عاش مقاتلًا واستشهد جنديًّا في معركة الحق الأنقى ضدّ الباطل الأوضح، وهو أحقر من أن يستطيع صدّ الفوح الذي عبر كل الحدود بالشهادة. قالتها يومًا زينب قاسم سليماني: أبي كزجاجة العطر، بكسرها انتشر عبيرها في كلّ العالم.

قاسم سليماني

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة

خبر عاجل