نقاط على الحروف
الحرب الناعمة الأميركية على ايران: فتنة الحجاب.. فشل الثورة الملونة الثانية
حسن الزين
على عكس الجمهوريين الذين يعتمدون الحرب الصلبة – العسكرية والإقتصادية، يبرع الديموقراطيون باستخدام الحرب الناعمة والثورات الملونة ورفع الشعارات الثقافية وراية حقوق الإنسان ضد أعدائهم وخصومهم، فهذا ديدنهم منذ عقود، وفي إيران فعلها الديموقراطيون عدة مرات، ليس أولها دعم احتجاجات ما سمي بالثورة الخضراء الملونة عام 2009 في عهد الرئيس بارك أوباما تحت حجة تزوير الإنتخابات وسرقة الأصوات وخرق الديموقراطية، ولن يكون آخرها احتجاجات ما سمي بثورة "المرأة والحجاب" بحجة مقتل المواطنة مهسا أميني على يد شرطة الآداب والأخلاق عام 2022، وهو ادعاء ثبت بطلانه بعد التحقيق الذي اصدرته الحكومة الإيرانية.
لقد حولت أميركا وحلفائها قضية مهسا أميني الى منصة للهجوم على إيران ونظامها، ردا وانتقاماً من موقفها الصلب واستقلاليتها وامتناعها عن التوقيع على الإتفاق النووي بالشروط الأميركية والغربية، ولإنحيازها الواضح إلى الخيار الشرقي والإنضام الى منظمة شنغهاي ولتمتينها العلاقة التحالفية الإستراتيجية مع روسيا والصين.
كما أظهرت تقارير الرصد للإعلام الفضائي المعادي والمأجور وخاصة على منصات التواصل الإجتماعي هجوماً مباشراً على شخص الولي الفقيه الإمام الخامنئي دام ظله، وبينت المعلومات أن اغلب المنشورات والحملات على منصات التواصل جرى ربطها بالإمام الخامنئي بشكل مركز ومخطط، في ظل الإشاعات التي تورطت في نشرها صحف ومواقع أميركية شهيرة وخاصة نيويورك تايمز عن تدهور صحة الإمام الخامنئي دام ظله واخفاء القيادة الإيرانية لهذا الخبر، وأن البحث جار عن خليفة له، وهو ما يؤكد أن غرفة عمليات هذه الثورة الملونة كان مقرها واشنطن.
وقد حسم قائد الثورة والولي الفقيه الإمام الخامنئي (دام ظله) الجدل حول طبيعة تشخيص هوية الأحداث الأخيرة التي رافقت وفاة الشابة الإيرانية مهسا أميني، واعتبر في كلمة له أثناء حفل تخريج طلاب جامعات الضباط التابعة للقوات المسلحة، أنّ " التسبب بأعمال شغب والإخلال بأمن الناس والهجوم على القرآن والمساجد والحجاب والبنوك والسيارات كان من تخطيط الولايات المتحدة والنظام الصهيوني، وان الحوادث التي شهدناها في الأيام الأخيرة ألحقت الظلم بقوات الشرطة أكثر من أي جهة أخرى، وقوات التعبئة ظلمت في هذه الحادثة، والشعب الإيراني ظلم أيضاً" (1).
وقال في مناسبة أخرى خلال لقائه مع نخبة مجلس تشخيص مصلحة النظام أن النقطة المهمة في هذه القضايا هي الحركة الانفعالية وردّ الفعل عند العدو، مضيفاً: "اتخذ الشعب الإيراني في وقت وجيز بعضَ الخطوات الكبيرة التي تتعارض 180 درجة مع سياسات الاستكبار العالمي، فاضطر هؤلاء إلى إظهار رد الفعل... فجلبوا أفراداً إلى الميدان بمن فيهم نزول بعض السياسيين في أمريكا وأوروبا وبعض الأماكن الأخرى الى الميادين، وعبر التخطيط وإنفاق الأموال"(2).
وفي السياق نفسه، أكد الإمام الخامنئي ضرورة الصمودَ في وجه مخططات الأجانب ضد الجمهورية الإسلامية، وقال: "ما دام الشعب الإيراني يحمل راية الإسلام ومرافقاً للنظام الإسلامي، ستستمر هذه الأعمال العدائية بأشكال مختلفة، والطريق الوحيد لمعالجتها هو الصمود أيضاً. إن صمودنا أمام مخططات الشياطين وافتعالهم المآزق لا يؤدي إلى التوقف، بل يمهد للحركة نحو الأمام". (3)
في الواقع إن قضية المرأة في العالم الإسلامي والعربي وفي إيران من القضايا الإشكالية التاريخية التي اشتغل عليها الغرب والمستشرقون منذ قرون للنفاذ الى منظومة قيم المجتمعات العربية والإسلامية واختراق الشعوب والنخب بهدف الإستعمار والسيطرة على هذه الدول.
ولا يمكن للغرب الذي يتشدق بحقوق المرأة وشعار تمكين المرأة وحرية المرأة في نزع الحجاب، أن يزعم انه يريد منح المراة حقوقها وحرياتها من جهة وهو يدعم أفسد وأظلم نظام فصل عنصري عرفه التاريخ وهو الكيان الصهيوني الذي يقتل شباب ونساء وأطفال فلسطين يوميا، وغض النظر عن الجرائم السعودية المدعومة أميركيا في اليمن، والتي قتلت عشرت آلاف الضحايا معظمهم من الأطفال والنساء من جهة ثانية؛ فهذه السياسات تمثل أبشع صور إزدواجية المعايير.
تعتقد قيادات الحزب الديموقراطي التي تشكل الإدارة الأميركية الحالية أن قضية المرأة تعتبر حجر الزاوية في موضوع حقوق الإنسان الذي يعترونه ركناً أساسياً في صلب السياسة الخارجية الأميركية، وهو أداة مهمة للتدخل والتغلغل بالقوة الناعمة.
ويكفي للتدليل على ذالك، ما أشارت اليه هيلاري كلينتون في خطابها عن المرأة في العالم الإسلامي في عدة مناسبات، وآخرها خلال التجمع التضامني مع مهسا أميني في كاليفورنيا، حيث قالت أنه "لا يمكن للنظام في ايران أن يبقى في السلطة إلا من خلال تقييد حقوق الجميع، وخاصة عبر اضطهاد النساء. هذا هو أحد مبرراتهم المستندة على نحو خاطئ إلى الحكم الديني. أنا معجبة جدًا وفخورة بالإيرانيات، ولا سيما الإيرانيات المتواجدات في الشوارع، واللواتي يتخلّين عن الحجاب، لأن ذلك يجب أن يكون اختيارًا وليس تفويضًا، ويتحدثن عن حقوقهن. وآمل فقط أن يكن قادرات على خلق مساحة كافية بحيث يتم منحهن المزيد من الفرص ليعيشن حياة كاملة بحرية قدر الإمكان". (4).
وبالعودة الى وقائع الأحداث، فقد اظهرت المعطيات التي تكشفت عن أرقام وأعداد الذين شاركوا في الإحتجاجات من الشعب والشباب وطلاب الجامعات الإيرانية بأنها لا تتجاوز في كل المدن والمحافظات الإيرانية الآلاف، وفي دراسة أجرتها وحدة المعلومات في “المركز العربي للدراسات الإيرانية” حول طبيعة المشاركين في الإحتجاجات، اظهرت أن أعداد المحتجين إزدادت خلال الأيام الثلاثة الأولی من 30 محتجاً أمام المستشفی التي توفيت فيها مهسا أميني إلی 700 محتجاً تقريباً في طهران (علی سبيل المثال لا الحصر في العاصمة التي يبلغ عدد سكانها حوالي الـ 15 مليون نسمة)، وهو رقم بسيط لا يعتد به في إيران(5)، ويكشف عن ضعف في قدرة الحشد والتعبئة والتنظيم لدى المنظمات الإيرانية العميلة والمرتبطة بالغرب والصهاينة والسعودية.
ويستنتج بالمقارنة بين الثورة الملونة الأولى التي دعمها الديموقراطيون عام 2009 واعتمت على شبكات تويتر والضخ الإعلامي والتخريب، وين الثورة الملونة الثانية الراهنة عام 2022 التي اعتمت على الموبايلات والهواتف الذكية مع الضخ الإعلامي والدعم الفضائي الأميركي للناشطين لتجاوز اجراءات حظر شبكة الإنترنت التي فرضتها السلطات الإيرانية لمواجهة أعمال الشغب والتخريب، حجم التراجع والفشل الذي منيت به هذه التحركات.
وقد ظهر التحريض السعودي على أشده من خلال بث قناة "إيران انترناشيونال" التي تبثُ من لندن برعاية سعودية، وعبر فضائيتي العربية والحدث الممولة سعودياً والتي تبث من الإمارات، إلى حد أن هذه القنوات أصبحت بمثابة غرفة عمليات لإدارة الاحتجاجات في الشوارع والجامعات.
وقد بلغت الإشاعات حد السخرية، لدرجة أن احدى الفضائيات السعودية تحدثت عن تحركات واحتجاجات في 50 محافظة إيرانية، فيما عدد المحافظات الإيرانية 31 محافظة.
ودخلت الإدارة الأميركية على خط التحريض من خلال تقديم خدمة الإنترنت الفضائي المباشر لتشجيع حالة الإحتجاج وزيادة الفوضی، فيما لجأت الحكومة الامريكية الى فرض عقوبات على اركان ومؤسسات النظام، وأعلن مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان "قلقه الشديد لوفاة الشابة الإيرانية مهسا أميني"(6).
واعترفت إلهام يعقوبيان الناشطة الأميركية من أصل يهودي لصحيفة معاريف الصهيونية بتحريضها النساء الايرانيات على المشاركة في التحركات الإحتجاجية الاخيرة التي تخللها اعمال شغب وتعديات على الأملاك العامة والخاصة(7).
وفي الخلاصة، فقد أكدت الأحداث تورط أميركا والصهاينة والسعودية في تنظيم الثورة الملونة الثانية باستغلال وفاة الشابة أميني وقضية الحجاب، والتي سقطت بأسرع مما توقعوا، عندما فشلت في اقناع وكسب تعاطف النخبة الإيرانية بكل أجنحتها وتيارتها؛ ومعها الغالبية الساحقة من الشعب الإيراني المتدين الموالي للنظام، الذي لن يتخلى عن النظام الإسلامي القوي والمقتدر، رغم كل الضغوطات، في ظل القيادة الحكيمة للإمام القائد الخامنئي دام ظله، وسيعطي هذا الفشل المناعة والمنعة للنظام، لتحويل هذا التهديد الى فرصة لتنمية وتحقيق المزيد من المكاسب للمرأة وحقوقها ومكانتها في بناء مستقبل إيران المزدهر.
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
20/11/2024
ما بين عامَي 1948 و2024 ما الذي تغيّر؟
20/11/2024
أن تصبح سردية العدو شغل LBCI الشاغل!
18/11/2024
عن قائد كتيبة الإعلام المحارب..
16/11/2024
ضاحية السيد: مدينة تسكننا!
16/11/2024
الانهزاميون ينتشون بفائض الحرب والتدمير
15/11/2024