نقاط على الحروف
خطاب السيد.. ساعة التحرير
احمد فؤاد
كما يلف الدخان مدى النيران المشتعلة ونقطة شرارتها الأولى بستارة من الدخان الخانق واللافح، يضيع في لهيب التسارع المأساوي وضجيج الصيحات الأسباب الحقيقية للأحداث وجذور الأفعال الأساسية أسفل الركام الهائل من التداعيات والنتائج، وفي ما يجري ـ اليوم والآن ـ في المعاناة الملحمية للشعوب العربية كلها، فإن بعضه بالطبع يعود إلى سنين طويلة مضت، لكن أغلب ما وقع مرتبط حتمًا بالطور الإمبراطوري الأميركي، وكل نزيف جرح أو آلام الكي لم تقم بها سوى أيادي واشنطن وعقلها.
الواقع المجرد يفضح ما تعانيه كل الشعوب العربية، بفعل هذه المؤامرة الأميركية المستمرة عليها، لا فارق يذكر بين دولة طبعت مع العدو الصهيوني وتعيش بالكامل في مدار الرضا الأميركي، مثل مصر، والتي تحوّلت بعد 43 عامًا من معاهدة الاستسلام إلى ما يشبه المحمية الغربية، وإلى حقل تجارب لسياساتها ونظرياتها ووصفات الإصلاح المفروضة من مكاتب واشنطن متعددة اللافتات، أو دول أخرى مثل السعودية، التي بدأت ــ مع اشتداد الأزمة المالية ــ إلى ضرع يحلب حتى الدم والعظام، وتعاني هي الأخرى من معدلات تضخم وبطالة هائلين، إضافة إلى التبديد النازف المستمر للثروات.
خلال خطاب سماحة السيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، لمناسبة القادة الشهداء، كانت الكلمات على قدر العاصفة التي تضرب المنطقة وتهز أركانها وتزلزل شعوبها داخليًا، وفي القلب منها تمامًا، كان خطابًا مرتفعًا إلى مستوى الحرب الأميركية المعلنة، وحاسمًا بالنسبة إلى الخيارات التي تضيق أمامنا، واضعًا كما اعتاد تصوراته النابعة من الحقائق الواقعة أمام الناس، وراسمًا كما اعتدنا نحن من سماحته الحلول وسبل المواجهة والمقاومة.
وقبل أي حديث عن خطاب سماحة السيد، أو إعادة قراءته، لا بد من التسليم أن الأمين يظل هو مصدر الاطمئنان الدائم والثقة الكاملة، في عالم يجتاحه التشاؤم ويسيطر عليه أسباب الانكسار وعوامل القلق، وباختصار شديد، غير مخل، فإن الموقف واللغة والتوقيت كلها تترجم بصدق قيمة الإيمان الثابت ومعنى الجهاد الشامل.
"من يريد أن يدفع إلى الفوضى أو الانهيار، عليه أن يتوقع منا ما لم يخطر في بال أو وهم، وإن غدًا لناظره قريب".
بهذه الكلمات في خطاب الأمين كان يضع أمام الأمة المأزومة وجهي العملة، قراءة صحيحة للأزمة وقرار واثق للحل، وكالعادة لم يخذل السيد من ينتظر موقف المقاومة من الحصار الأميركي الخانق على لبنان والعالم العربي، بموقف هو الأشد والأوضح لمسؤول عربي، هو الأنبل فعلًا والأصدق قولًا، ورسم إستراتيجية جديدة شاملة وكاملة للمواجهة ــ القادمة حتمًا ـ مع كيان العدو ومن ورائه، في تصور لا يقفز فوق الواقع، لكنه يتخذ من الحقائق الموضوعية أساسًا للفهم والعمل والموقف.
وضع الأمين أمام المخطط الأميركي الذي يستهدفنا ويذلنا ويجوعنا ما هو معادلة فعل جديدة تمامًا على المنطقة العربية ككل، "على الأميركيين أن يعلموا إنه إذا دفعوا لبنان إلى الفوضى وتألم الشعب اللبناني فهذا يعني أننا لن نجلس ونتفرج"، طارحًا فكرة العداء بالعداء والبادئ أظلم أمام الشيطان الأميركي، الذي استبدل أساليب الحرب القديمة ووسائلها بأدوات جديدة أخطر وأشد، ناشرًا الفوضى والعجز والدمار في كل مدينة عربية على امتداد خريطة الوطن الممزق.
قد يذهب بعض العرب، ممن يعتريهم التهول والذهول من مجرد احتمالية مقاومة الأميركي، إلى اعتباره صرخة رفض أو رسالة تهديد، ربما لا يعلمون صاحب الوعد الصادق جيدًا، ولم يقرأوا التحديات الهائلة التي عبرها حزب الله، أو المستحيل الذي أدمن الأبطال قهره في كل ساح، ولم يعلمهم تقديم أغلى القرابين من القادة الشهداء وفاء للقضية وللحق شيئاً.
ما نحن بصدده في خطاب الأمين هو رسم ملامح مواجهة، وليس جديدًا على حزب الله مواجهة الأميركي والصهيوني، وعلى سبيل التنبيه لأصحاب الذاكرة الضعيفة، فإن حرب تموز/ يوليو 2006، درة تاج الانتصارات العربية على الكيان الصهيوني، كانت المعركة حربًا شاملة تجري على الأرض، ضد أوسع تحالف يمكن جمعه، الكيان والولايات المتحدة والأنظمة العربية الرسمية، وكان لكل دوره المرسوم بدقة في أخطر محاولة للنيل من المقاومة، من البارود والنار إلى الدعم العسكري الهائل والمفتوح بلا حساب، ثم المعركة الإعلامية التي جرت بموازاة الحرب، ولم تكن تقل في شرورها عن قصف الطيران وقذائف المدافع، وحتى حين جرى ذلك كله، لم ينكسر سيف المقاومة ولا لانت قناتها.
في هذه الأيام الفارقة، وفي هذا الظرف التاريخي الدقيق، وضع السيد النقاط على الحروف، والواجب في هذه اللحظة على كل حر في هذه الأمة، هو أن يطوي صفحة التمزق التي تسببت فيها الحرب الأميركية علينا، اليوم فقط هو أدعى للوقوف من جديد، واستعادة الحيوية والآمال في أنفسنا، بعد أن تحول الكيان المسخ على يد حزب الله إلى ممسحة ورهينة، وهذا وحده سبب للتفاؤل بما هو قادم.
على الهامش، وللمقارنة البسيطة فقط، يمكن استرجاع أية خطابات أو اجتماعات "قمم" عربية، وفي أعلى مستوياتها، ولن يختلف الخطاب العربي الرسمي على أن أسباب أزمتنا الحالية هي تداعيات جائحة كورونا، وتأثيرات الحرب الروسية الأوكرانية، وربما يذهب البعض إلى انعكاسات قرارات الفيدرالي الأميركي بشأن أسعار الفائدة، وما تفرضه على الاقتصادات العربية من أثمان فادحة وباهظة، لكن لا أحد منهم سيضع يده على الجرح النازف، إذ أن الأحداث المتتالية، بل والمتكررة، تفضح أنهم جزءاً من أزمتنا، ولن يكونوا على الإطلاق صناع الحلول.
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
20/11/2024
ما بين عامَي 1948 و2024 ما الذي تغيّر؟
20/11/2024
أن تصبح سردية العدو شغل LBCI الشاغل!
18/11/2024
عن قائد كتيبة الإعلام المحارب..
16/11/2024
ضاحية السيد: مدينة تسكننا!
16/11/2024
الانهزاميون ينتشون بفائض الحرب والتدمير
15/11/2024