معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

عن إرهاب الدولة وقرار واشنطن وضع الحرس الثوري على لائحتها
08/04/2019

عن إرهاب الدولة وقرار واشنطن وضع الحرس الثوري على لائحتها

علي إبراهيم مطر

يشكل إرهاب الدولة جزءاً لا يتجزأ من الحروب التي تشنها الإدارة الأميركية وحلفاؤها على الشعوب، خاصةً في منطقة الشرق الأوسط. وتعد أميركا أحد أكثر الدول إرهاباً في العالم، لا بل إنها تتفرد في القرن الواحد والعشرين إلى جانب حلفاءها وعلى رأسهم "إسرائيل" والسعودية بإرهاب الدولة، تستخدم واشنطن بشكل متملق شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان والتدخل الإنساني لتحسين صورتها، بينما تلصق بكل من يعاديها صفة الإرهاب وتهدد بوضعه على لائحتها الإرهابية. هذه الحرب تستخدمها الإدارة الأميركية اليوم، في حصارها ضد إيران، حيث صنفت واشنطن الحرس الثوري الإيراني، ككيان إرهابي، في خطوة ستؤدي إلى تصعيد المواجهة بين الدولتين في ظل التصلف الأميركي.

لقد ارتبط تطور ظاهرة الإرهاب مع تطور الأحداث الجارية على الساحة السياسية الدولية، وأضحى مصطلح الإرهاب ملاصقاً للأحداث الحاصلة في غير منطقة من العالم. وعرّف مجلس الأمن الدولي الإرهاب بأنه كل عمل جرمي ضد المدنيين بقصد التسبب بالوفاة أو بالجروح البليغة أو أخذ الرهائن. ويمكننا القول أن الإرهاب هو اللجوء إلى وسائل عنفية للتخويف والترهيب وإملاء الشروط وكسر الإرادات، وهو الاستخدام غير المشروع للقوة أو التهديد باستخدامها، لإلحاق الأذى والضرر بالآخرين.  

وحظرت الأمم المتحدة، في قراراتها الصادرة عن فروعها، الإرهاب واعتبرته مهدداً للسلم والأمن الدوليين. لكن قلما من يتحدث عن إرهاب الدولة، الذي يعد أخطر أنواع الإرهاب، هذا الإرهاب الذي يتم التغاضي عنه دولياً لأسباب سياسية مريبة، بالرغم من أن خطورته تفوق بكثير ارهاب الأفراد ـ الجماعة، إلا أن المعايير المزدوجة لدى الغرب تجعل الدول الكبرى تمنع التعريج إلى تعريف إرهاب الدولة من قبل المنظمات الدولية.

وصدرت قرارات عدة عن مجلس الأمن تحت الفصل السابع، تعني المجتمع الدولي بأكمله ولا تعنى فقط بإرهاب لدى دولة واحدة، وذلك بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر حيث صدر القرار 1373 الذي اعتبر أن "الإرهاب يشكل تهديداً للسلام والأمن الدوليين"، كذلك القرار 1540 عام 2004 الذي يتناول حظر الإرهاب النووي، وصدر القرار الثالث 1566 عام 2004 الذي أكد أن الإرهاب الدولي في كل أشكاله ومظاهره يشكل أخطر التهديدات للسلام والأمن الدوليين Threat To Peace and Security، لكن لم تتطرق جميع هذه القرارات والتوصيات إلى إرهاب الدولة، حيث كان هناك فيتو أميركي دائم، وضغط غربي لكي لا يتم الحديث عن هذا النوع من الإرهاب.

لقد رفضت واشنطن ودول الغرب تعريف إرهاب الدولة وذكره من ضمن أنواع الإرهاب الذي تطرق إليه مجلس الأمن والمؤتمرات الدولية مع أن الدول النامية طالبت وتطالب بتعريفه بشكل مستمر، لكن الرفض الأميركي كان سباقاً دائماً، لأمور تتعلق بالسياسة الأميركية والاستمرار في استراتيجياتها الإرهابية من خلال حروبها وغزواتها.

وعقب أحداث 11 ايلول/ سبتمبر، وقبل الحرب الأميركية على العراق، عمدت الولايات المتحدة إلى تجميد الحوار الدائر في الأمم المتحدة طوال أكثر من عشرين عامًا للتوصل إلى تعريف مقبول للإرهاب يشمل إرهاب الدولة إلى جانب إرهاب الأفراد.

 لذلك فإن تعريف الإرهاب الدولي كان ولا يزال يصطدم بعدد من التحديات والمعايير المزدوجة، ولكي يتم الوصول إلى تعريف صحيح للإرهاب، فلا بد أن يتم إدخال إرهاب الدولة وليس إرهاب الأفراد فحسب في سياق أي تعريف للإرهاب الدولي. أما تعريف الإرهاب الحالي يظل قائماً بالنسبة إلى إرهاب الأفراد أو الجماعات ضد الأفراد، ولكنه لا ينطبق على إرهاب الدولة. فارهاب الدولة هو ذلك الفعل الذي يُرتكب لتحقيق أهداف سياسية أو اجتماعية، وإذا كانت أعمال "إرهاب ـ الدولة" تتمُّ غالباً بشكل غير مباشر فإنها قد تُقدِم أحياناً على أعمال إرهابية مباشرة عن طريق قواتها المسلحة النظامية ضد دولة أخرى أو عن طريق ترويع هذه الدولة الأخرى أو ترويع السكان المدنيين فيها وذلك من أجل تحقيق أغراض سياسية معيَّنة. وقد عرف القانون الأميركي الإرهاب الدولي بانه الذي يستهدف المواطنين أو ممتلكاتهم في أكثر من بلد. وهو المدفوع بعوامل وأغراض سياسية ويستهدف أشخاصًا غير محاربين، وقد تمارس مجموعة إرهابية مثل هذه الأعمال، لكنه لم يشر إلى إرهاب الدولة.

ومنذ سيطرتها على النظام الدولي، لا تتجرأ الدول باستثناء بعضها، على نعت أعمال واشنطن بالإرهاب، بعد كل المذابح الإجرامية التي قام بها الجيش الأميركي، وارتكاب المجازر الجماعية على مدى تاريخه من القصف الذري على هيروشيما وناغازاكي التي سقط ضحيتها أكثر من 200 ألف قتيل وفتحت فصلاً جديداً من التاريخ الوحشي للولايات المتحدة الأميركية، مروراً بحرب فيتنام التي سقط فيها مئات الالاف بسبب الحرب الأميركية، وغيرها من التدخلات في شؤون الدول، وصولاً إلى الحرب على افغانستان ومن ثم غزو العراق الذي سبب أكبر الخسائر البشرية في تاريخ العراق، ولم ينته الأمر هنا حيث شكل التدخل الأميركي في سوريا والسعي إلى ضرب بنية الدولة فيها، السبب الرئيسي في توسع رقعة الحرب وإنتشار الإرهاب ودعمه واستهداف الدولة السورية وقتل المدنيين.

ومما تقدم، يظهر إن ما يرتكبه الأميركيون اليوم بحق الشعوب المناهضة لهم، فضلاً عن استخدام حروب الوكالة من خلال دعم الكيان الصهيوني وإستخدام المنظمات الإرهابية لهذا الغرض، يشكل أكبر التجليات على إرهاب الدولة الإميركية، التي لا يمكن لها اليوم تصنيف الدول وجيوشها على أسس إرهابية، كما أن هذا التصنيف يعبر فقط عن الإدارة الأميركية، ولا ينشئ أية مفاعيل قانونية دولية، حيث يقتصر هذا التنصيف الأميركي على ما تفرضه واشنطن من عقوبات، ولا شأن للأمم المتحدة به وبالتالي لا يعم بقية الدول.

ووفق ما تحدثنا عنه سابقاً، فإذا كان أحد يجب أن يتم وضعه على لأئحة الإرهاب فهو الإدارة الأميركية، التي تمعن في قتل المدنيين، وتفتعل الأزمات في كل دولة لا تؤيدها من أجل السيطرة عليها أو من أجل تطويع أهلها للسياسة الأميركية، لكن هذه السياسة لا تنفع مع إيران، التي أعلن برلمانها بكل قوة وقوفه في مواجهة مباشرة مع وانشطن؛ من خلال الرد بالمثل على الإجراء الأميركي عبر صياغة اقتراح قانون عاجل ستدرج إيران بموجبه القوات الأميركية ضمن قائمة الجماعات الإرهابية، مثل داعش، فور إدراج الأميركيين للحرس الثوري على لائحتهم.

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف