نقاط على الحروف
صفقة العودة الأمريكية.. حرب تجارية وتطبيع سعودي صهيوني
إيهاب شوقي
بينما أعلن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، توقيع مذكرة تفاهم لمشروع ممر اقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، يستهدف تعزيز الترابط الاقتصادي، وتطوير وتأهيل البنى التحتية وزيادة التبادل التجاري بين الأطراف المعنية، فإننا نجد أن الرئيس الأمريكي جو بايدن كان أكثر صراحة ووضوحا، عندما أعلن نفس المشروع بصيغته الحقيقية، حيث أعلن عن خطة لبناء ممر للسكك الحديدية والشحن يربط بين "إسرائيل" والهند والسعودية والإمارات والأردن والاتحاد الأوروبي، بهدف زيادة التجارة والتعاون السياسي.
وقال بايدن خلال قمة مجموعة العشرين في الهند: "هذه صفقة كبيرة حقا"، وفق وكالة "أسوشيتد برس"، ونقلت بعض الترجمات عبارته بصيغة "هذا أمر جلل، هذا أمر جلل بحق".
ووفقا لما صرح به مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك ساليفان، فإن الممر سيساعد في تعزيز التجارة ونقل موارد الطاقة وتطوير الاتصال الرقمي، وسيتضمن الهند والسعودية والإمارات والأردن و"إسرائيل" والاتحاد الأوروبي.
وقال ساليفان نصا: "نعتقد أن المشروع نفسه جريء ويمكن أن يغير مجرى الأمور، لكن الرؤية خلف المشروع جريئة ومغيرة بنفس الدرجة، وسنرى تكرارها في أنحاء أخرى من العالم أيضا".
وقالت التقارير صراحة أن الممر سيمثل بديلا فعليا وفكريا لبرنامج البنية التحتية الممتد الصيني، أي مشروع الحزام والطريق.
ويكفينا التقاط بعض الجمل الصعيرة من تصريحات ساليفان، نرى أنها جوهر المشروع، وهي قوله:
"الشبكة تعكس رؤية بايدن لاستثمارات أبعد تأتي من "القيادة الأميركية الفعالة" والاستعداد لتقبل دول أخرى كشركاء. والبنية التحتية المعززة ستدفع النمو الاقتصادي، وتساعد على التقريب بين الدول في الشرق الأوسط وتقديم تلك المنطقة كمركز للنشاط الاقتصادي بدلا من "مصدر للتحديات والصراع أو الأزمات".
وبالتالي يمكن أن نستنتج هذه الملاحظات بربطها بالسياق الدولي وتوصيات مراكز الفكر الأمريكية في الفترة الأخيرة، وذلك على النحو التالي:
1- هذه الخطة هي خطة أمريكية بامتياز تهدف إلى لملمة المعسكر الأمريكي المعرض عقده للانفراط، وذلك عبر احتواء السعودية والإمارات بعد الانضمام المزمع لمجموعة بريكس، وعبر احتواء الهند التي تعاظم دورها الدولي واستغلال منافستها التاريخية للصين وكذلك عبر لملمة أوربا والتي بدأت في التململ من عواقب معاداتها لروسيا والصين.
2- بأتي المشروع استجابة لنداء مراكز الفكر والعقول الاستراتيجية الأمريكية بضرورة وحتمية عودة أمريكا للشرق الأوسط، بل واستجابة علنية للتوصيات بأن تكون العودة عبر استراتيجية شاملة، ربما لخصتهت توصيات الباحث "كينيث بولاك" من معهد أمريكان إنتربرايز"، والذي أوصى بأن تكون العودة عبر استراتيجية يجب أن تشمل مبادراتٍ ترمي إلى مساعدة العديد من شركاء الولايات المتحدة في المنطقة، الذين يكافحون للتعامل مع تأثيرات الجائحة، وثورة المعلومات، وسوق الطاقة الدولي الجديد، والتغير في ميزان القوة العالمي، والتحول الحاصل داخل المجتمعات الخاصة بهم.
3- تسعى أمريكا صراحة إلى الدخول في حرب تجارية مع الصين عبر قطع الطريق على مشروع الحزام الصيني بالدخول في قلبه الحيوي الممتد من الهند عابرا الشرق الأوسط إلى أوربا.
4- ربما كان العامل السياسي هو الأبرز من الاقتصادي، لأنه تدشين وترسيخ لتحالفات سياسية في مواجهة تحالف بريكس والذي تغلب عليه النتزعة السياسية أكثر من نزعته الاقتصادية.
5- يمهد المشروع لصفقة التطبيع الكبرى بين السعودية والعدو الإسرائيلي، لدمج العدو بالمنطقة وانقاذه في احياء لمشروع بيريز، والسعودية تطمح لزعامة المنطقة عبر هذه البوابة.
فالسعودية تروج لنفسها باعتبارها ملتقى القارات رغم عدم صحة ذلك جغرافيا وان كان به بعض الصحة من الجانب اللوجستي عبر ربط القارات بربط الموانئ والاعتماد على الانفاق وهي عوامل مؤقتة وليست راسخة جغرافيا مثلما هو الحال في مصر والتي تعد ملتقى القارات الثلاث جغرافيا.
وبالتالي كي تصبح السعودية ملتقى القارات فإن لديها اختيارات للوصول لأوربا،، إما عبر العراق مرورا بسوريا ولبنان للوصول لأوربا، أو عبر مصر وقناة السويس، وإما عبر الأردن والعدو الاسرائيلي.
ويبدو أن السعودية اختارت الخيار الصهيوني بالاتفاق مع امريكا ليصبح الممر لاوروبا عبر الكيان بدلا من سوريا ولبنان ومصر.
بالتزامن مع ذلك أعلن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان عن تأسيس المملكة لمنظمة عالمية للمياه مقرها الرياض، وذلك لضمان استدامة موارد المياه.
وهو تزامن لافت مع تصريحات خالد يوسف الجلاهمة، سفير مملكة البحرين لدى العدو الإسرائيلي، حيث قال إن بلاده "تستهدف تعزيز تعاونها مع "إسرائيل" في التقنيات التي تساعدها في إدارة المياه والتعامل مع تغير المناخ في إطار تعزيز أوسع للعلاقات بين البلدين".
وهو ما يؤكد أن اختيار البحرين كزيارة أولى لوزير الخارجية الصهيوني لها علاقة وطيدة بالتمهيد لهذا التطبيع.
خلاصة الأمر هو أن أمريكا تلعب بذات الأدوات ولكن مع احتدام الصراع العسكري وإدخال الحرب التجارية بالتوازي مع هذا الصراع، فإن الاحتفاظ بسياسة مسك العصا من المنتصف يدخل في خانة الصعوبة والاستحالة وتتبلور التحالفات بالمنطقة بعيدا عن الحالة الضبابية التي شهدتها الفترة الماضية وهو ما يعني اقتراب المواجهات الكبرى.
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
20/11/2024
ما بين عامَي 1948 و2024 ما الذي تغيّر؟
20/11/2024
أن تصبح سردية العدو شغل LBCI الشاغل!
18/11/2024
عن قائد كتيبة الإعلام المحارب..
16/11/2024
ضاحية السيد: مدينة تسكننا!
16/11/2024
الانهزاميون ينتشون بفائض الحرب والتدمير
15/11/2024