نقاط على الحروف
الإعلام الحربي.. جبهة توثّق وتتصدّى
ليلى عماشا
لا تنام الجبهات، لا تستريح، حتى يبدو أنّها بين معركتين صارختين تخوض معارك بعيدة عن عين الإعلام العالمي وأذن الجمهور الذي يحسب الحرب فقط غارات وقصفًا ومجازر واشتبكات والتحامات مشهودة. والجبهة عند الحدود في جنوب لبنان خير شاهد على وجودية الصراع بيننا وبين الصهيوني. لا تهدأ، حتى في أكثر الحالات التي تبدو فيها على سكون. الجبهة هناك مشتعلة على مرّ الساعات، وإن بشكل مختلف، ناهيك عن اليقين بحضور العسكر الجاهز المسدّد المنتظر ساعة الصفر. ثمّة حضور آخر ليس يُموّه وكلّ ساعاته ميقات هجوم وتصدٍّ. "مراسل حربي" وكاميرا، وفي الصورتين، العسكر والإعلام، الجهوزية للقتال حتى الشهادة واضحة، والحقّ واضح، كما العدو.
منذ ٢٠٠٦ إلى اليوم، وبوتيرة متصاعدة، تحوّل الإسرائيلي من معتدٍ يختار بنفسه مواقيت عدوانه إلى معتدٍ مقيّد لا يجرؤ على العدوان الصريح. يسعى إلى التعبير عن طبيعته العدوانية عبر قضم الأراضي اللبنانية، مستغلًا المناسبة لتعزيز إجراءات الاختباء خلف جُدُر يبنيها حول نفسه رعبًا. يقترب مترًا ثم ينسحب مرعوبًا لأمتار. تؤرقه خيمة، أو خيمتان، فقط لأنّه يدرك أنّ من وضعهما أقوى بكثير من أن يرضخ لرغبته بنزعهما ولو مقابل وعود يمرّرها هنا وهناك، ويغيظه بشدّة حضور كلّ المنظومة المقاومة ممثّلة برجل يحمل كاميرا بيد وعلى كفّها الروح يوثّق الاعتداءات الجبانة والرعب الصهيوني المتزايد عند الحدود. في الواقع، يقدّم علي شعيب اليوم تجربة مختلفة عن كلّ ما نعرفه من تجارب الإعلام الحربي، يخوض المعركة على مدار الساعة، حتى تحسبه جيشًا مستنفرًا والحال طوارىء!
اعتدنا أن نترجم لفظ الإعلام الحربي إلى صورة في أذهاننا تتلخّص بالتالي: مراسل بخوذة وسترة واقية عليها كلمة Press، صوت قصف في الخلفية، وكلمات متعجلة تلخّص وضع ساحة المعركة وتحصي عدد مواجعنا وأسماء من فقدنا من أحبّتنا، وما تعرّض من بيوتنا وأرزاقنا للنيران. أما اليوم، فالصورة مختلفة: الحاج علي شعيب، عند أعمق النقاط الحدودية، يوثّق وينقل مجريّات الأمور هناك وأجملها مشاهد الوهن الإسرائيلي ومحاولاته الفاشلة في الظهور ولو للحظة بمظهر القوي، أو يتصدّى مدرّعًا بكلّ المقاومة وقطعها لأي محاولة خرق إسرائيلي، بثياب مدنية وروح عسكرية، تقاتل.
وهو بذلك ليس يقوم فقط بتغطية الأحداث، بل بصناعتها والتدخّل في مجرياتها: يعرف الجنود الصهاينة حين يستجمعون كل قواهم للتقدّم أو للتسلّل أمتارًا قليلة في الأراضي اللبنانية أن الحاج علي سيظهر في أي لحظة، ويعرفون أيضًا أنّ هذا الحضور يمثّل المقاومة بناسها وسلاحها وجهوزيتها وقبل ذلك كلّه بمقدرتها على إيقافه على رجل ونصف بعيدًا عن الحدود! لذلك تراهم متوجسين، ينظرون إليه ويحاولون بيأس ملحوظ وإحباط شديد اظهار رباطة الجأش على الأقل بعد أن فقدوا إلى الأبد غرورهم الذي تكسّر في كلّ مواجهة مع المقاومة. الإعلام الحربي الذي يرتبط اليوم جزء كبير منه في أذهاننا بصورة الحاج علي وصوته، لا يكتفي بدور تغطية مجريات الحرب ونقل أخبار الاعتداءات اليومية، بل يتعدى ذلك إلى وضع الأحداث كلّها في سياقها الحقيقي الواضح، معركتنا مع هذا العدو مستمرّة، يومية، وباقية حتى زواله…
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
20/11/2024
ما بين عامَي 1948 و2024 ما الذي تغيّر؟
20/11/2024
أن تصبح سردية العدو شغل LBCI الشاغل!
18/11/2024
عن قائد كتيبة الإعلام المحارب..
16/11/2024
ضاحية السيد: مدينة تسكننا!
16/11/2024
الانهزاميون ينتشون بفائض الحرب والتدمير
15/11/2024