معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

عن "صمت" يدوّي في الميدان.. وأكثر
16/10/2023

عن "صمت" يدوّي في الميدان.. وأكثر

ليلى عماشا

 

الجبهة مشتعلة، مفتوحة على جميع الاحتمالات التي تقود محور المقاومة إلى النّصر، بكلّ مستوياته. وفيما تدور رحى المعركة الأعنف في غزّة المقاومة والصمود، حيث يعبّر العدوّ الصهيوني بالقتل الوحشي عن مدى توجّعه من المقاومة في غزّة، وفيما تنتفض الضفّة الأسيرة المكبّلة وبالروح تقاتل خانقها، تجري في جنوب لبنان معركة تشدّ وثاق الحصار على العدو المفترس، فنراه ويراه العالم، مسخًا مصابًا بمقتل يترنّح شمالًا وجنوبًا، ويحاول استعادة توازنه عبثًا، بالقتل حينًا وبالاستجداء الديبلوماسي من تحت الطاولات التي من فوقها يستعرض قوة ما عاد يمتلكها، أو يتهوّر في لحظات ليمارس إرهابه المعتاد ثمّ يتراجع.

كلّ هذا، والأمين العام لحزب الله وسيّد أهل الحقّ المحارب السيّد حسن نصر الله، لم يوجّه كلمة متلفزة بعد. يقول البعض في توصيف الحال إنّ السيّد صامت، وهذا ليس صحيحًا، فالصمت يعني ألّا يقول المرء شيئًا حول حدث ما. والسيّد بهذا المعيار ليس صامتًا أبدًا. هو فقط  يقول في الميدان ما يجب قوله، واللغة رصاص وصواريخ، وتهديد وجودي للكيان المؤقت.

لا، لا يصمت السيّد حسن، ما صمت يومًا كي يصمت في خضم المعركة الأقوى دويًّا منذ ٢٠٠٦. لا يصمت، لكنّ من مثله يجيد اختيار مواقيت الكلام ومواعيد التحدّث وأوقات بثّ الرسائل المحكيّة، التي يجيد قراءتها العدو ويفهمها الصديق. أضف إلى ذلك، الميدان ناطق الآن، ناطق بما قال السيّد وكلّ قادة هذه المسيرة منذ طلقة انطلاقتها: سنزيل "إسرائيل" من الوجود! هل يرغب الصهاينة بسماعها مرّة بعد؟ هم يرونها في ساحة القتال، من غزّة إلى الجنوب، ومن مواقف جميع دول محور المقاومة، ومن نبض الشارع الذي يخالف أنظمته المطبّعة.

عنونت "هآرتس" بالتالي: "لحظة ظهور نصر الله على الشاشة هو يوم القيامة في إسرائيل". تعكس الصحيفة رعب عصابات الصهيونية التي عبثًا تحاول منذ نشأة كيانها الهجين أن تصبح مجتمعًا "طبيعيًا"، ودولة يفرضها الأمر الواقع. جرت الرياح بما اشتهت سفينة الحق، وها نحن نشهد اليوم كيف تتفكّك هذه العصابات رغم الدعم العسكري والتسلّحي والسياسي والديبلوماسي الهائل الذي تلقاه من الولايات الأميركية وسائر دول الغرب، مضافًا إليها طبعًا أذيال التطبيع والأدوات الخيانية من مختلف الرّتب في الدول العربية.

إذًا، يجيد الصهاينة قراءة ما سُمّي بصمتِ السيّد ويعرفون أنّ ميعاد ظهوره مرتبط حكمًا بخبر أو مفاجأة تحسم المعركة التي يتجرعون فيها بصمت وارتباك هزيمة مرّة يخسر فيها جنوده وضباطه وآلياته، ويزداد جنونًا ضدّ المدنيين عسى يعوّض شيئًا من ماء وجهه الآسن. يقرأون كلماته المكتوبة بالرصاص وبالصواريخ في عقر مراكزهم العسكرية ومستوطناتهم المرعوبة. وفيما هم يترنّحون بين انتظار ظهوره على الشاشة خطيبًا، وبين الرعب من هذا الظهور الذي بلا شك سيفصل بين قبل وبعد، يحاول بعض الناطقين باسمه محليًّا تصوير "صمت السيّد" وكأنه تجاهل لما يجري في غزّة والجنوب. لقد بلغ بهم، وبهنّ، التوتّر حدّ قول أيّ شيء فقط لتعبئة الثقوب التي خلّفها الرعب في الروح الصهيونية، والثقوب أولى علامات الاندثار والزوال.

باختصار، ليس صمتًا، فالميدان ناطقٌ بكلّ خطاباته، وإن يستعجل أهل الحبّ خطابًا له فالشّوق عذرهم، ويصبّرهم أنّ حتى ما سُمّي "صمتًا" هو مصدر رعب مضاف للصهاينة، وللمتصهينين.

ليس صمتًا، فكلّ الطلقات تردّد كلماته من غزّة إلى أرض عاملة: "اسرائيل هذه أوهن من بيت العنكبوت"، "ولّى زمن الهزائم"، "سنعيدكم أيضًا إلى العصر الحجري"، " أعدكم مجدداً، تحت شاشات التلفزة، وتحت الكاميرات، ستشاهدون بثاً مباشرًا لتدمير الدبابات والفرق والألوية الإسرائيلية" وغيرها الكثير ممّا قال السيّد الأمين الصادق المسدّد نصر الله..

وليس صمتًا، هو حال القويّ الحكيم الذي يختار المواقيت ويُلزم بها أعداءه، وأدواتهم، ولا يملكون سوى الانتظار، والرعب، ومراكمة الهزائم، والزوال!

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف