نقاط على الحروف
ملف الأسرى الأميركيين في غزة يتحول إلى منافسة انتخابية
عبير بسّام
لم يحتل ملف لأسرى أميركيين ضجة في الإعلام الأميركي كما احتلها ملف الأسرى الأميركيون بعد عملية طوفان الأقصى في غزة، والسرعة التي ترافقت معها محاولات الإجلاء للرعايا الصهاينة الأميركيون من فلسطين كانت ملفتة ومترافقة مع ما رأيناه على الإعلام من تدفق للصهاينة وعائلاتهم إلى المطارات من أجل مغادرة البلاد. حمل هؤلاء جوازات سفرهم الأوروبية والأميركية ليتجهوا نحو البلاد التي أتوا منها، وبالتأكيد خطة أسر المزيد من هؤلاء الأجانب، وبالذات الذين يخدمون في جيش الصهاينة كانت هامة جداً، لأنهم يشكلون قيمة إضافية في حل قضية الأسرى الفلسطينيين في المعتقلات الصهيونية.
يعد ملف الأسرى الفلسطينيين ألم متفاقم منذ أن احتل البريطانيون فلسطين، وبات بعد العام 1948 ألم قاتل، وخاصة مع استمرار الصهاينة بالعمل بقوانين الإعتقال الإداري والتي تسمح لهم بالإحتفاظ بأي معتقل فلسطيني دون محاكمة أو حتى الإفصاح عن التهم الموجهة ضده ودون السماح لهم أو لمحاميهم من معاينة المواد الخاصة بالأدلة، والتي يدعون بأنها بين أيديهم. وأصبح ملف الإعتقال يحمل ألماً أكبر بكثير مع مجيء اليمين الصهيوني المتطرف للسلطة.
شهد العام 2022 تصاعد الإعتقالات الإدارية، وأصدر الإحتلال 2409 أمر اعتقال إداري بقي منهم 850 رهن الإعتقال منذ 10 سنوات، في شهر آب/ أغسطس 2023 أصبح عدد المعتقلين الاداريين وحدهم الذين تحتجزهم سلطة الإحتلال أكثر من 1200. وابتدع الإحتلال قوانين جديدة ومنها عدم السماح للأسير برؤية عائلته إلا مرة كل ثلاث أشهر بعد أن يقضي فترة عزل قد تطول أكثر من ستة أشهر قبل أن يستطيع توكيل محام، ولا يستطيع الأسير اليوم رؤية أهله إلا من خلف الزجاج، يضع كل طرف إصبع من أصابعه فقط ليلمس المكان الذي وضع الإصبع الآخر للشخص الآخر، وهكذا يسمح للأسير في فلسطين معانقة أهله في المعتقل.
تعلم الإدارة الأميركية ما نتحدث عنه تمام المعرفة، ولم تقم حتى اليوم بفعل أي شيء مما تدعيه إنسانيتها ولذا فهي شريكة. ولكن الإنتقادات التي توجه لها عبر الإعلام الأميركي هي انتقادات من نوع آخر، أولها تتعلق ببطء الحركة الأميركية باتجاه تحرير الأسرى الأميركيين الذين اعتقلتهم المقاومة في فلسطين، وثانيهما طريقة التعاطي المادية التي تنتهجها الإدارة الأميركية واستغلال هذا النهج من أجل الدعاية الإعلامية لربح الإنتخابات الأميركية القادمة وحتى من قبل المرشحين الأكبرين للحزب الجمهوري: دونالد ترامب ورون دو سانتيز.
والملفت هنا، أن الإعلام الأميركي لا يتحدث عن أسرى فلسطينيين في المعتقلات اذ عنونت "الناشونال ريفيو" مقالها في 10 تشرين الأول/ اكتوبر بـ (عائلات رهائن أمريكيين بيد حماس تحث إدارة بايدن على العمل: "ونحن لن نقبل بأقل من ذلك"). ويعدد المقال مطالبات الأمهات، ممن اتضح أن أبناءهن يخدمن في جيش الإحتلال وتطالب الأمهات بايدن وإدارته بفك أسرهم. هذا يؤكد أن الأسرى الأميركيين من الصهاينة في يد حماس وفصائل المقاومة، هم فعلياً جنود وتم الإمساك بهم في بداية عملية طوفان الأقصى، ولكن هذه الأمهات تعتبر أن أبناءها هم أميركيون أولاً وهم مسؤولية الإدارة الأميركية.
في اليوم نفسه، أي بعد عملية "طوفان الأقصى" بثلاثة أيام، كان هناك مقال على أخبار ABC، يتحدث عن المؤتمر الصحفي الذي قام به أهالي أمريكيين أسرى بيد المقاومة في الأيام الأولى، تحت عنوان (رهائن حماس: مالذي يمكن أن يحدث بعد ذلك؟) تحدث المقال عن عدم قدرة إدارة بايدن على تحديد عدد "الرهائن" الأميركيين بيد المقاومة. منذ الأيام الأولى كان الكلام خلال الإعلام، ولأول مرة، لا يتحدث عن دور الحكومة الأميركية في تخليص الأميركيين من الورطة التي هم فيها، وإنما يركز الخطاب على تعبير "إدارة بايدن"، وعلى الدفع بالإدارة من أجل اتخاذ الخطوات المناسبة. أي أن الكلام منذ اليوم الأول اتخذ طابعاً انتخابياً محضاَ.
ولذلك كانت الإحصائيات التي قامت بها الإدارة الأميركية، والتي قامت بناء على تقديرات سفير الكيان في الولايات المتحدة، بأن هناك ما بين 100- 150 أمريكي ما بين الرهائن، مخيبة للآمال. فالفرق الشاسع ما بين الرقمين يدل على أن الإدارة الأميركية غير قادرة على تحديد الأرقام. ومن المعضلات الكبرى التي يعاني منها ملف الأسرى الأميركيين، أنه لا يمكن التحديد بشكل دقيق إذا ما ما كانوا أسرى مدنيين أم عسكريين، كما أنه لا يمكن التحديد إذا ما كانوا متواجدين كمحتلين قاطنين في مستعمرات الكيان أم مجرد سياح، أو إذا ما كانوا طلاب جامعات أم معاهد دينية، ولكن معظمهم في نهاية المطاف يهود أميركيون، ومعظم الشباب الذين توجهوا لأداء الخدمة العسكرية في دولة الكيان، كان يعتبرونها هم وأهاليهم أنها ستكون مجرد نزهة أو رحلة صيد عسكرية ــ بشرية يشبعون من خلالها الرغبات بالقتل أو بأداء واجب ديني، وقد كتبنا في هذا الأمر من قبل. والأمر الملفت، أن عنصر المفاجأة قد لعب دوراً هاماً ليس فقط في داخل الكيان ولكن في داخل الإدارة الأميركية وما يزال الإثنان يتخبطان حتى الساعة، وتبين أن فلسطين ليست أفغانستان.
عرضت الولايات المتحدة دعم "اسرائيل" بالجهود الاستخباراتية والمراقبة والإستطلاع لقوات العمليات الخاصة الإسرائيلية، ومن خلال هذا العرض يمكن لدولة الكيان، على سبيل المثال وليس الحصر، الإستفادة من صور الأقمار الصناعية ومعرفة أماكن حجز الأسرى. فالأقمار تحوم فوق المنطقة في الوقت الحالي، والتي كان بإمكانها، بحسب ما صرح به الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أن تحدد بالضبط من قصف مستشفى المعمداني على سبيل المثال. لذا رئيس مجلس النواب السابق كيفن مكارثي انتقد أسلوب إدارة بايدن المخابراتي ودعا إلى اتباع نهج أكثر مباشرة، ولكن الإدارة الحالية، وذلك بحسب ABC، ووفقاً لأحد المسؤولين ترى أن عملية أميركية واسعة النطاق لا تقيم حالياً إذا ما كانت مهمة الإنقاذ المستهدفة مجدية أم لا. إذاً الجمهوريون يحاولون الدفع بإدارة بايدن لإتخاذ قرارات لا يعرفون مدى جدواها، ويقع كل هذا في خانة استخدام موضوع الأسرى الأميركيين للمنافسة على كسب الرأي العام الأميركي، خاصة وأن الإدارة الحالية ليس فقط لا تستطيع تحديد عدد الرهائن، بل إنها ماتزال تحاول تحديد هوياتهم.
منذ بدء عملية طوفان الأقصى، اتهم ترامب بايدن بأنه السبب في تحجيم إمكانية "اسرائيل" مادياً ومعنوياً بسبب مقاطعة الإدارة الحالية لها. ورحلة بايدن لفلسطين كانت لرفع معنويات الدولة المارقة، والتي برأ خلالها الكيان من واحدة من أكبر المجازر وأبشعها في مستشفى المعمداني. وخلال الصراع ما بين الحزبين الأزرق والأحمر يبدو أنه سيسمح لإسرائيل بفعل ما تراه مناسباً من أجل القيام بعملية كوماندس برية من أجل إنقاذ الأسرى لتكون دعماً لبايدن في الإنتخابات القادمة واستخدام الأسرى من أجل كتابة نصر ما للدولة المارقة. ويعكس ذلك القصص والتفسيرات والتصريحات المنشورة ما بين مختلف الصحف والمجلات والمواقع الأميركية، ومن أهمها تصريح رون دوسانتيز، الذي انتقد الدور الذي تنتهجه الإدارة الحالية من سياسات للإخلاء.
كما وقع دو سانتيز، وهو حاكم فلوريدا الحالي، على أمر تنفيذي منذ الأسبوع الماضي يسمح لإدارة الطوارئ بتنفيذ "عمليات لوجستية وإنقاذ وإخلاء" لسكان فلوريدا المتواجدين في "اسرائيل". ودخلت الولاية مع مشروع دينامو، الذي يديره قدامى المحاربين، بإستئجار أول رحلة إنقاذ للعودة إلى الولايات المتحدة على حساب الولاية، بعد أن ألغت شركات الطيران التجارية مئات الرحلات الجوية. قدر دو سانتيس أن: "هناك أكثر من 20 ألف أمريكي بما فيهم سكان فلوريدا في إسرائيل، يرغبون في العودة إلى ديارهم وهم غير قادرين على ذلك". وقد أعرب العديد من الذين تم إنقاذهم عن امتنانهم ومنهم، عائلة غوبيوف لصحيفة يو اس تودي، التي قالت: "من الناحية المادية، نحن ممتنون للغاية لوجودنا هنا"، و"نحن محظوظون جداً لأن لدينا حاكماً أوصلنا إلى هنا، والذي تكفل بكل شيء". في حين أن الحكومة الأميركية ستقوم باستجار طائرات لنقل الأميركيين من أثينا، ولكن بعد أن يمضوا على تعهد بتسديد ثمن التذكرة خلال مدة زمنية محددة.
وهذا ما صرح المتحدث باسم وزارة الخارجية ماثيو ميللر يوم الخميس الذي تلا عملية طوفان الأقصى بأن الحكومة الفيدرالية ستستأجر رحلات جوية لنقل المواطنين الأميركيين من "اسرائيل" إلى اوروبا، وبحسب السفارة الأميركية لدى حكومة الإحتلال أن: "الأمر سيستغرق بعض الوقت لتحديد موعد لكل من يسعى للمغادرة". وأضافت السفارة في بيانها أن المغادرين لن يتمكنوا من اختيار وجهتهم. وبحسب ABC لا يمكن لهؤلاء أخذ حيواناتهم الأليفة معهم، ويجب على الركاب توقيع اتفاق لسداد المبلغ للحكومة الأميركية قبل المغادرة، وفقاً لما يقتضيه القانون. في حين هبطت أربعة كلاب، بحسب ناشونال ريفيو، في مطار تامبا الدولي، في فلوريدا منذ أيام واحتضن دو سانتيس وزوجته كيسي وأولادهما الثلاثة شخصياً العائدون، الذين تم اجلاؤهم... هكذا تكتب نهايات الأمور وتربح الإنتخابات على الطريقة الأميركية.
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
28/10/2024
المراسل الحربي لا ينقل "مجرد وجهة نظر"..!
26/10/2024