معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

الجبهة المظلومة.. جبهة الشرف
08/01/2024

الجبهة المظلومة.. جبهة الشرف

أحمد فؤاد

يمكن للإنسان العاقل المقدر القول، بكثير من الاطمئنان والثقة في كلمته، إن هذا العالم العربي متفق على أن كلمة "السيد" إذا جاءت وحدها فهي تشير إلى رجل واحد، لا غيره يستحقها وهي أليق به، الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله، السيد الذي ينتمي إلى ذروة العز نسبًا، إلى تمام الإيمان واليقين الحقيقي الصادق. وهو في هذا الظرف التاريخي العصيب والأيام الثقيلة، السيد الذي تجسدت فيه آمال الأمة كلها، ويحمل في قلبه أثقال العبور بها إلى ضفة آمنة، وهو سيد من يعبّر عن آمالها العظمى، وسيد المواقف وسيد الفعل، وقبل أي شيء آخر، فإن السيد هو البوصلة الصحيحة إذا ما تكالب علينا الأعداء وتداعي، واختلط الطريق على البعض، واستسلم البعض إلى التيه.

في مناسبة ملهمة ونقية اختار سماحة السيد للحديث عن "تقدير موقف استراتيجي" باستدعاء مشوار رحيل فقيد الجهاد والمقاومة الحاج محمد ياغي "أبو سليم" وقص سيرته، ليس على سبيل نعي فارس نبيل لحزب الله وللبنان وللأمة، لكنّها سيرة كانت قادرة على أن تروي  - وحدها -  خلاصة الحكمة والعمل الواجب وطريق النجاة الضروري، والحل الجماعي لكل إنسان ولكل شعب عربي، وللأمة التي أعجزتها الحيلة عن مداواة جراح سنوات الضياع والخيانة الطويلة المريرة، وهي رغم ذلك مجبرة على دخول المعركة، لصيانة نفسها أولا، وللحفاظ على ما تبقى فينا من مقومات حياة أصلًا ثانيًا.

سماحة السيد وصف وفصّل وشرح الوضع الدولي والإقليمي بشكل يجعل من تكراره لازمًا بصوته وكلماته، لكن هناك مساحة تحتاج توضيحًا إضافيًا عن الجنوب العزيز، جنوب لبنان الصابر المقاوم الصامد، الذي يقوم –في هذه اللحظة -  عن الأمة كلها بعملية الإسناد الأهم للشعب الفلسطيني البطل ومقاومته البطلة في غزّة المحاصرة، وهذه الجبهة هي التي تضم وتتشرف بأن تكون جبهة البيئة الحاضنة لحزب الله، وصفها سماحة السيد بأنها "الجبهة المظلومة"، وهي بالفعل مظلومة فيما تقدمه، ومظلومة أكثر في تصوراتنا عما وصلت إليه.

الجبهة المظلومة.. جبهة الشرف

في منطقة جغرافية صغيرة جدًا نرى للمرة الأولى على الإطلاق حربًا سلاحها الأساسي هو "المسيّرات"، بالطبع بجانب غيرها من صواريخ وقذائف موجهة، في هذه الحرب الجديدة كليًا فإن حزب الله كان يراكم طوال ما يزيد عن 17 عامًا بعد حرب تموز 2006 ترسانة عسكرية عمادها الأساس هو الكوادر الجهادية الكفوءة والأسلحة الذكية، ويربي جيلًا جديدًا يستفتح عصرًا جديدًا، ويؤدي واجبه المقدس في الدفاع عن الأرض بامتلاك أحدث التقنيات العلمية والمنجزات النوعية الراقية والمعقّدة، والوصول بمستوى الإعداد والتدريب والتعبئة للمقاتلين لما نعاين بعض آثاره في بيانات العمليات العسكرية ووثائقياتها، وهي كاشفة عن معجزة عربية واقعية وحقيقية، تنتمي لعالم القدرة الاستثنائية الخلّاقة، لا التمنيات، للمقارنة فقط مع العدوّ القريب، فإن عقليات الكيان الفذة قد قررت استثمار مليارات الدولارات الأميركية في بناء "جدار دفاعي" على طريقة القلاع القروسطية، وكان أول وهم طار عند لحظة المعركة الأولى، تمامًا.

المقاومة الإسلاميّة وبيئتها وشبابها وأهلها في جنوب العزة والشرف، راكموا جهد أعمارهم وفاء لهذا الطريق وعرفانًا، وهم أول من ينسب لهم الفضل في أمتهم على ما وصلنا إليه اليوم. هم الخاصة التي أجرى الله بها وعلى يدها الشريفة أول وأكمل نصر عربي في التاريخ الحديث في آيار 2000، ثمّ  تكرّرت المعجزة ثانية بشكل بات للأعمى أن يراها في تموز 2006، وهو الطرف العربي الذي تبنى منذ ولادته المباركة في 82 سياسة العداء الجذري الشامل للكيان وللأميركي، وقت أن كان –ولا يزال -  الملك أو الرئيس العربي منتهى شرفه أن يتذلل ويركع على باب البيت الأسود في واشنطن.

وصف السيد الكريم ما تحقق بيد وبعقول أبطال الأمة والمقاومة الإسلاميّة، وعدد العمليات التي قاموا بها في وجه هذا العدوّ الغاشم، فقال سماحته نصًا: "هذه الجبهة مظلومة إعلاميًا، لأنه على امتداد أكثر من 100 كيلو مترًا، وما يزيد عن 90 يومًا تمّ استهداف كلّ المواقع الحدودية المعادية، وعدد كبير من المواقع الخلفية والمستعمرات، ردًا على الاعتداءات الصهيونية على المدنيين، مشيرًا إلى أن المقاومة نفذت ما يزيد عن 670 عملية قتال، وفي بعض الأيام بلغ عددها 23 عملية يوميًا، والمواقع الحدودية التي تم استهدافها 48 موقعًا حدوديًا، و11 موقعًا خلفيًا".

يمكن للإنسان العادل في أحكامه، سليم المنطق والضمير والحس، أن يرى في كلام سماحة السيد حقيقة الوضع القائم، ويجد إجابة "من يردع من" في شمال فلسطين المحتلة وفي حصن كرامتنا العالي في جنوب لبنان، في عصور سابقة كانت تكفي عملية واحدة لتدمير بلد عربي كامل. في حرب 1967 اليوم العربي الأسوأ على الإطلاق، كان كافيًا أن يعتبر رئيس وزراء العدوّ ليفي أشكول قرار إغلاق ممر تيران الاستراتيجي "الطلقة الأولى في الحرب"، وهذه العبارة وردت في رد رسمي من حكومة العدوّ على طلب صديقها الفرنسي بعدم إشعال العدوان، وهذه الكارثة المروعة –كلها على بعضها -  كيف أن الكيان وهم وخيوط دخان، وينطبق على مصدقي "جبروته وقدراته" قول سماحة السيد بتعبيره المهذب "هؤلاء لا يعرفون وإما جهلة"، وقد يكون موقف السيد وكرم أخلاقه مقصودًا، لعل منهم من يهتدي لبشائر النصر في منطقتنا العربية.

لكن اليد العليا اليوم على الجبهة وفي جحيم القتال اليومي المستعر، لمن فرض شروطه و"أجندته" على العدو، وحزب الله منذ اليوم الأول للمعركة دخلها بهدفين ثابتين، وهما كما أعلنهما سماحة السيد منذ اللحظة الأولى: الضغط على حكومة العدوّ واستنزافه من أجل وقف العدوان على غزّة، وتخفيف الضغط عن المقاومة في غزّة في الوضع الميداني"، وهذا ما نراه اليوم واقعًا من إجبار العدوّ على إبقاء وحدات النخبة بالذات أمام الجبهة اللبنانية، خشية من  تطوّر مفاجئ قد يطرأ، ولن تجدهذه الوحدات أمامها إلا الهروب، ولو عراة، كما تعرى وتمزق وجرى إذلال وتحطيم صورة هذا الكيان الذهنية اليوم أمام العالم.
..

في البداية، يجب توجيه الشكر وتقديم وقفة واجبة لتحية بيئة المقاومة، وليس أعز من كلمات سيد المقاومة وسيفها ودرعها لوصف النفوس العزيزة، "لهذه البيئة التي تحمل هذه الثقافة الحسينية، لعوائل الشهداء الكرام، إلى الصامدين والنازحين من القرى الأمامية، لهذه البيئة التي تدفع الثمن المباشر في حياتها اليومية في أبنائها وشهدائها، وللمقاتلين الشجعان عشاق الشهادة، ومدى عشقهم وحبّهم للقاء الله، ومدى صدقهم وإخلاصهم واستعدادهم للتضحية والفداء، لدينهم ووطنهم وشعبهم ومن أجل الدنيا والآخرة".
تحية إعزاز وامتنان، بلا حدود ولا مدى، لهذه الجبهة الكريمة، لمن يقدمون لنا، بالدم والفداء والثبات الحجة على أن الحرية إرادة، وأن ثمن الكرامة ليس أغلى ولا أثقل ولا أصعب من ثمن الذل الفادح، وأن كلّ نقطة دم على هذا الطريق أريقت –ومنها دماء الشيخ الصالح العاروري -  لها أثمان هائلة، وسيدفعها كيان الإرهاب عاجلًا.

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف