نقاط على الحروف
"جهبذ عكاظ" والخطة (ب): فلنطبّع مع "اسرائيل" ثم نهددها بقطع العلاقات!
ميساء مقدم
قيل في تداعيات "طوفان الأقصى" الكثير، وكُتِبَت العديد من المقالات التي نظّرت لضربة كبيرة وُجّهت إلى مشروع التطبيع بين الكيان المؤقت ودول عربية معروفة. المبدأ الذي بني عليه هذا الاستنتاج أخذ بعين الاعتبار أن حجم الإجرام الاسرائيلي المكثّف وأرقام الشهداء ومستوى الإبادة المرتكبة في غزّة، ستشكّل حرجًا لأي نظام عربي أمام شعبه، بما يمنعه من الخوض ـــــ قريبًا على الأقل ـــــ بملف التطبيع.
هذا من وجهة نظر المحللين الذين يستشرفون تحليلاتهم بناء على جمع المعلومات ومقارنتها بالاستفادة من تجارب التاريخ والخبرات السابقة. أمّا كَتَبَةُ السلاطين فلهم دائمًا رأي مختلف.
"هل وجود العلاقات مع "العدو" أفضل؟"، يسأل فهد إبراهيم الدغيثر في مقاله عبر صحيفة "عكاظ" السعودية. طبعًا الاستفهام هنا هو استفهام العارِف بما يريد أن يدوّنه من إجابة تتلاعب بالعقول. وهذا النوع من الكتابات، يعتمد عادة استراتيجة خلط الحقيقة بالخداع، بحيث يصعّب على القارئ غير الحَدِق التنبّه للفخ. أمّا، دغيثر، فهو فاشل حتى في هذه اللعبة. وهو لا يحترف "دس السم في العسل" ولو حاول، ذَلِكَ أن مقادير "طبخته" رجّحت السم على العسل في مقالته لا اراديًا بما يفضح الطعم.
يقول دغيثر "في تاريخنا مررنا بأكثر من سبعة عقود تخللتها حروب مدمرة واتفاقيات سلام قصيرة العمر بسبب انعدام الثقة بين الأطراف وغياب أي أوراق تفاوضية معتبرة"!
يقارب كاتب البلاط هذا عقودًا من الصراع العربي - الإسرائيلي وكأنّه خلاف بين زوجين. هي "أزمة ثقة إذًا"؟ لا أزمة احتلال أرضٍ وتهجير شعبها وارتكاب مجازر بحقه وتدنيس لمقدساته! هي "أزمة ثقة" لا أزمة كيان لا يعترف بحدود له، ويعلن أطماعه التوسعيّة باتجاه كل الدول المحيطة! وهي "أزمة ثقة" لا أزمة مئات الآلاف من الشهداء الذين قضوا بنيران هذا العدو، ويحمل أحرار العرب مسؤولية الثأر لهم!
ماذا يقترح "جهبذ عكاظ" أمام معضلة "الثقة" بيننا وبيننا "العدو"؟ هنا يحتاج القارئ إلى حصر تركيزه، والتنبّه جيّدًا. بل، قد يكون من المفيد النصح بسحب المقال من التداول حتى لا تصل نسخة إلى حكومة الحرب في الكيان فتفشل الخطة.
يقول: "حالياً تكمن قوة العرب في اقتصادها، وأقصد بذلك تحديداً ارتفاع عدد المستهلكين العرب مقروناً بقوة المستهلك الشرائية... هذه ميزات يسيل لها لعاب أي دولة صناعية متقدمة وقادرة على التنافس. في المقابل إسرائيل لديها صناعات وتتقدم تكنولوجياً ولديها منتجات زراعية لكنها لا تصدّر لنا ولا تستفيد من أسواقنا. لذلك فعندما تقوم إسرائيل بحرب أو هجوم في أي وقت فليس لديها ما تخسره معنا. من المفيد إذاً أن نتساءل كعرب ومسلمين عموماً، طالما أن إسرائيل موجودة، كيف يمكن أن نقلل من الفارق العسكري بيننا وبينهم بواسطة الاقتصاد. كيف للمؤتمرات العربية والإسلامية أن تتخذ أي عقوبات واقعية ضد إسرائيل بخلاف التنديد والشجب؟.. نحن اخترنا أن لا نخلق داخل إسرائيل قوى من فئة التجار والمصنعين والمزارعين التي قد تشكّل ضغطاً على حكومات إسرائيل المتعاقبة حفاظاً على مكتسباتها هي كما فعل التجار والمزارعون الأتراك مع حكومتهم مع اشتداد تداعيات المقاطعة. هذا الخيار بالطبع لا ينفع إلا مع وجود الدول العربية الغنية ذات الاستهلاك الضخم والقوة الشرائية العالية للمنتجات والخدمات".
وهنا ملخص لما ورد في مخطط "الجهبذ":
- الخطة (أ): نحن العرب مستهلكون، مجرّد سوق استهلاكي، نأكل ونلبس.
- الخطة (ب): "اسرائيل" هي المنتج لنا.
- الخطة (ج): سنطبّع مع الكيان حتى نستهلك ما لديه، وما إن نصبح ذا وزن استهلاكي كبير، حتى نهدده بالمقاطعة إذا لم ينسحب من الضفة ويوقف عدوانه على غزة ويفكك مستوطناته ويتخلى عن القدس ويفرج عن الأسرى!
لكن مهلًا، المخطط لم ينته هنا. الرجل صمم خطة بديلة في حال عدم نجاح الخطة السابقة. فبرأيه: "إقامة العلاقات في النهاية ليس زواجاً كاثوليكياً، وما أكثر مناسبات قطع العلاقات بين الدول لسبب أو لآخر عندما يصبح ذلك أمراً ضرورياً للغاية. المهم هنا هو أن نستشعر مكامن قوتنا ونضخمها ونوظفها لخدمة قضايانا بعيداً عن البنادق والتفجير والمغامرات الخاسرة والمؤلمة كما نشاهده اليوم في غزه، ولو لمرة واحدة وننتظر ونرى لعلنا نرى الأمور بمنظار مختلف. لعلنا نغلق المنافذ في وجه المستفيدين من هذه الدماء البريئة الغالية ونخلق بيئة مختلفة ونحقق ما عجز عنه أصحاب الشعارات والأجندات المدمرة. في النهاية ماذا لدينا لنخسره لو منحنا مثل هذه المسارات فرصة التجربة؟".
هذا النوع من "كَتَبَةِ البلاط" المستخف بعقول القراء يعمل ضمن ماكينة تجهد في اقناع الشعوب بأن "اسرائيل" هي كيان قابل للحياة، وأن زوالها حلم. وهذه مهمة باتت أكثر من مستحيلة بعد "طوفان الأقصى"، الذي كسر صورة المحتل المسيطر وهيبة "الجيش الذي لا يقهر"، فأذلّه في مستوطنات غلاف غزّة. وهذه الشعوب اليوم، باتت أكثر تحصينًا من قبل، في وجه آلة تلميع نوايا الاحتلال، سيّما بعد هذا السيل الجارف من الدماء البريئة في غزّة، التي لن ترحم الأعداء، كما المتستّرين عليهم بِلَبوس "السلام" المزعوم.
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
20/11/2024
ما بين عامَي 1948 و2024 ما الذي تغيّر؟
20/11/2024
أن تصبح سردية العدو شغل LBCI الشاغل!
18/11/2024
عن قائد كتيبة الإعلام المحارب..
16/11/2024
ضاحية السيد: مدينة تسكننا!
16/11/2024
الانهزاميون ينتشون بفائض الحرب والتدمير
15/11/2024