معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

مجزرة الزرارية.. لن تُطمس ذاكرتنا! 
11/03/2024

مجزرة الزرارية.. لن تُطمس ذاكرتنا! 

 ليلى عماشا

يقترن اسم العديد من القرى الجنوبية بذاكرة مجزرة، حولا (١٩٤٨)، حانين (١٩٦٧)، عيترون (١٩٧٥)، العباسية، كونين، عدلون، الخيام (١٩٧٨)، سحمر (١٩٨٤)، دير الزهراني (١٩٩٤)، قانا (١٩٩٦ و٢٠٠٦)... وتطول اللائحة.

ولأن التذكّر حق والتذكير واجب كي لا يدّعي أحد نسيان ما ارتكب بحقّنا على مرّ السنين، ولا سيّما من يعيبون على الناس الحقّ بالمقاومة، ولأن الدم المسفوك ظلمًا على تراب الجنوب ليس يُنسى، ولأن أقل الواجب الأخلاقي تجاه الأرض والناس هو منع طمس التاريخ وذاكرة الصراع مع العدو، ولأن ما نشهده اليوم من مجازر وارتكابات همجية بحقّنا هو عادة "إسرائيلية" لا يمنعها سوى سلاح المقاومة، ففي رزنامة ذاكرتنا الجنوبية، يوم ١١ آذار هو اليوم الذي ارتكب فيه الصهاينة مجزرة وحشية في بلدة الزرارية في العام ١٩٨٥.

في تلك المرحلة من العمل المقاوم، كان الشبان المقاومون يصنعون أحيانًا المتفجرات من مواد كيميائية تُستخدم في العمل الزراعي. وكانت إرادة المقاومة لدى الناس كما هي اليوم تمامًا، لا تهاب همجية العدوّ ولا تساوم على حقّها وكرامتها وترابها، وتتمثّل بالاحتضان الشعبي ومساهمات البيوت في كلّ ما يمكن أن يمدّ المقاومين بالعون.

صباح الاثنين ١١ آذار ١٩٨٥، هاجم الجنود الصهاينة الزرارية من ثلاثة محاور؛ القاسمية وأنصار وبريقع، تحت غطاء من القصف المدفعي الكثيف الذي استمر منذ ليل ١٠ آذار، وقامت المروحيات العسكرية بإنزال قوات كومندوس في الليل حول البلدة لمحاصرتها ونصب الكمائن التي منعت المقاومين من الانسحاب، وتمكّنت الدبابات وقوى المشاة من التقدّم إلى البلدة من جهات الغرب والشمال والجنوب بالتزامن مع تقدّم قوات مدعومة بالآليات من قرية بريقع (النبطية) على مسافة 3 كيلومترات من الزرارية. الهدف من كلّ هذا كان الإطباق على البلدة ومحاصرة سكانها المدنيين وكلّ  من كان فيها من مقاتلين. خاض المقاومون يومها في الزرارية اشتباكًا حتّى نفاد ذخيرتهم ضدّ أكثر من ثلاثة آلاف جنديّ إسرائيلي معززين بنحو الف دبابة وآلية قتالية والمروحيات العسكرية والطائرات الحربية. وقد قضى العديد من المدنيين دهسًا تحت جنازير الدبابات التي اجتاحت سيارات مدنية كان ركابها يحاولون الهرب عبر الطريق الرئيسية نحو قرية ارزي حيث انزلت قوات العدوّ الكثير من وحدات الكومندوس. واجتاحت قوات العدوّ في تقدمها حاجزًا للجيش اللبناني في الطرف الجنوبي الشرقي للزرارية لجهة بريقع. وسجلت التقارير الميدانية في حينه حصول معارك شرسة عند مداخل البلدة وفي شوارعها الداخلية حيث التحم المقاتلون مع جنود الاحتلال قبل أن تتمكّن القوات الإسرائيلية من ارتكاب المجزرة التي كانت حصيلتها أكثر من ٦٣ شهيدًا وعددًا كبيرًا جدًا من الجرحى.

باختصار، في ١١ آذار ١٩٨٥، كان المشهد في الزرارية عبارة عن قصف مدفعي عنيف، ارتكابات عدوانية وحشية، قناصين يطلقون النار على كلّ ما يتحرّك، واستباحة لكلّ الحرمات، بعد أن تمكّن العدوّ من قتل جميع المقاومين في البلدة، بعد أن نفدت ذخيرتهم في الاشتباك. منهم من قتلوا معصوبي العيون مقيّدين، بعد أن اقتادهم العدوّ إلى جهة النهر وقام بإطلاق القذائف الصاروخية عليهم.

وبعد، يأتي إلينا من يحاول فتح نقاش في جدوى المقاومة، ومن يطالبنا بالتخلّي عن فطرتنا هذه، فالمقاومة فطرة قبل أن تكون سلاحًا وعتادًا، ويُرسل إلينا من "ينصحنا" بضرورة الانسلاخ عن المقاومة التي هي روحنا حفظًا لحياتنا. أتراهم لم يعرفوا بما ارتكب ويرتكب العدوّ حتّى الساعة، حتّى بلغت بهم الوقاحة حدّ مطالبة أهل المقاومة بالتخلّي، أم أن عقولهم قد تعفّنت حدّ الوهم بأن صورة "الصهيوني" قابلة للتجميل في عيون شهدت وحشيته جيلًا بعد جيل؟! إن ما بيننا وبين هذا العدوّ ذاكرة تفيض بدمنا، وترابًا يحكي الحكاية كلّها، ويكتب بالدم النّصر تلو النّصر، وأيار ٢٠٠٠ شاهد كما تموز ٢٠٠٦: لا شيء يكفّ العدوان عنا إلّا السلاح.. إلّا المقاومة.

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف