معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

وأنصتوا لقلوبكم حين تسمع اسمه..
20/03/2024

وأنصتوا لقلوبكم حين تسمع اسمه..

ما أن يُلفظ اسمه تحضر صورة وجهه مقمرًا؛ علي أشمر، قمر الاستشهاديين، في مثل هذا اليوم عبر إلى السماء من بوابة الجنوب، قل تخفّف من جسده عند مثلث ربّ ثلاثين - العديسة، بعد أن صلّى صلاته الأخيرة والتحم بالعِدا، مدجّجًا ببارود القتال.. في العشرين من آذار في العام ١٩٩٦، كان علي أشمر وحده كتيبة عشق في جيش الحسين (ع).. تفجّر، نشر عبير روحه في كلّ المدى الجنوبيّ، وعلى مساحة الزمان كلّه.. وكأنّما زر التفجير الاستشهادي رسم الزمان من كربلاء إلى الأبد، برمشة عين، ببسمة، ببسملة، بتكبيرة سبقت تشظّي جسده بين التراب وبين السماء.. فسطع القمر الحيّ في سما البلاد وفي روحها... صار جزءًا أصيلًا من هوّيتها.. صار بعضه حاضرًا في كلّ من فيها، وصارت كلّها بعضًا منه.. إن مسار الاستشهاديين أعلى وأسمى مما يمكن للعقل تصوّره، لذلك يصعب لمن يبحث في سيرهم، وفي سيرة علي على وجه الخصوص، أن يحيط بكلّ دلالات حضوره في الدنيا، منذ أن ولد إلى أن قهر الموت بالاستشهاد.. علي منيف أشمر، شهيد يتولّى "نعف الحال" في كلّ من ينظر إليه وإلى سيرته، بقلبه، كي يجد مثله سرّ الوجود ومعنى أن "الدنيا جيفة" لا قيمة فيها إلا في ما يتزوّد منها المرء في مضيّه إلى الآخرة..

علي، بسمة علي، عشق علي، يقين علي، سكينة علي.. كلّ ما في عليّ يُرى في كلّ وجوه الشهداء.. كأنّ ثمانية وعشرين عامًا ما مرّت على لحظة انفتحت فيها أبواب السّما، وسمع الجنوبيون صوت العشق يعلو، يرتفع كصيحة في دويّ، يذري الدورية بمن فيها.. ويعبر.

في وصله مع السماء، كان علي أشمر يرجو شهادة يتشظى فيها جسده، ليواسي سيّده الحسين (ع).. وحين قُبل طلبه في تنفيذ عملية استشهادية، تجهّز مستبشرًا.. كمَن، وحين مرّت الدورية ولم يفجّر، تواصل معه الإخوان لسؤاله عمّا أخّره، قال، "كنت أصلّي صلاتي الأخيرة، الدورية ستعود.". وعادت، التحم بها متفجرًا، كشمس تشرق من تراب الجنوب، وتغرس فيه شتول شموس الحريّة، لنمتّع فيها نواظرنا في أيار ٢٠٠٠.

منذ يوم التحرير، حين عبر الجنوبيون إلى القرى وقد تحرّرت من رجس الاحتلال، وإلى اليوم، حيث يمارس العدوّ كلّ فجوره من بُعد ضدّ قرى الجنوب ولا سيّما قرى المواجهة، كلّ مَن يمرّ عند مثلث عديسة - ربّ ثلاثين، قادرٌ إن حدّق بعيون القلب أن يلمح وجهًا جنوبيّ السّمات، قمريّ النور، حسينيّ السطوع، يتلألأ بين الأرض وبين السماء.. وقادرٌ إن أصغى بقلب يسكنه اليقين، أن يسمع صوت علي أشمر تاليًا وصيّته:

"بعد قليل من هذه الكلمات- إن شاء الله- سيصبح جسدي نارًا تحرق المحتل الصهيوني الذي يمعن كلّ يوم وكلّ  لحظة في تعذيبكم، ويظن أنه يذلّكم ولكن هيهات.. نهايته إن شاء الله قريبة على أيدي مجاهدي المقاومة الإسلامية.. اعلموا يا أهلي الأعزاء أن الاحتلال سيزول، وأنتم في ضميري وعقلي وقلبي، وإن شاء الله النصر قريب والتحرير آتٍ والصهاينة وعملاؤهم مصيرهم القتل والزوال.
إخوتي الأعزاء فوارس المقاومة الإسلامية البواسل. بسم الله الرحمن الرحيم: [إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ مَا لاَ يَرْجُونَ] صدق الله العلي العظيم".

في هذه الأيام التي تخوض فيها المقاومة الإسلامية معركة تاريخية ضدّ العدو، والتي عاد فيها الجنوب ليكون بكلّه جبهة الحقّ المسلّح باليقين وساحة القتال المرصّع بالدم العزيز الطاهر، يُرى عليّ في كلّ شهيد، تُسمع وصيّته في كلّ صوت يتلو انتصار الدم على السيف، ينادي سيّده الحسين (ع)، يناجي أمه فاطمة (ع)، يتوسّل بأميره علي (ع) ويسلّم على نبيّه الرسول الأعظم محمد (ص).. ثمّ يصرخ بملء جسده أن "هيهات منّا الذلّة" ثمّ يرتقي ملتحقًا بقافلة أقمار سبقوه ويلتقي، حتمًا يلتقي، بقمر الاستشهاديين..

٢٨ عامًا مرّت، ولا يمرّ الزّمان على لحظات كلحظة ارتقاء عليّ.. كلحظة انفجار عليّ.. كلحظة عبور عليّ.. علي أشمر، يكفي أن تنصتوا لقلوبكم كيف تفرّ منها نبضة خاشعة عاشقة، وكيف تستحضر صورة بسمته ووجهه فتستكين، في كلّ مرّة تسمع اسمه: علي منيف أشمر.

الاستشهاديون

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف