معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

العالم أمام سبعة أشهر عجاف.. بين دموية بايدن وعدم اتزان ترامب
23/03/2024

العالم أمام سبعة أشهر عجاف.. بين دموية بايدن وعدم اتزان ترامب

د. علي دربج باحث وأستاذ جامعي. 

 يبدو أن البشرية ليس مقدرًا لها أن ترتاح. فالعالم أجمع مقبل على سبعة أشهر عجاف، بعدها سينجلي غبار السباق الرئاسي في الولايات المتحدة، ويُعرف حينها الفائز وهنا تكمن المشكلة.
 فالتجديد لبايدن يعني المزيد من سفك الدماء والحروب والأزمات على امتداد منطقة الشرق الأوسط وربما أوروبا لاحقًا. أما في حال عاد دونالد ترامب بأصوات المتطرفين، حينها قد لا نعرف امام أي مشهد أو شخصية سنكون. فالرجل متعدد المواهب، التي تبدأ بالعنصرية، الممزوجة بالكوميديا الساخرة، ولا تنتهى بتفننه بالكلام البذيء والسوقي بحق خصومه، إلى حد أن بعض مستشاريه لم يتردّدوا بالتأكيد على انه إنسان غير متزن عقليا. 

ولتكوين صورة واضحة عما سينتظر العالم والأميركيين خصوصًا إذا عاد ترامب، فلنتعرف على ما قاله خلال الأسبوع الماضي: 

في الواقع يتبنى المرشح الجمهوري المفترض (اي ترامب) السخرية كأسلوب أثناء خطاباته وحملاته الانتخابية، سواء كان الهدف هو المهاجرين غير الشرعيين، أو المنافسين من الحزب الجمهوري، أو الديمقراطيين الليبراليين.

وتبعًا لذلك، افتتح ترامب تعليقاته الشوارعية، بالنيل من المهاجرين، معتبرًا أن بعضهم "ليسوا أشخاصا" ولكنهم "في الواقع ثعابين". وأكد أيضًا وجهة نظره ــ التي يبدو أنه اقتبسها من كتاب "كفاحي" للزعيم النازي المعروف أدولف هتلرــ التي تقول بأن المهاجرين "يسممون دماء بلدنا". وقال إن خطته للترحيل الجماعي، على غرار "عملية Wetback" في خمسينيات القرن العشرين، "ستكون واضحة للغاية" و"ستذهب بسرعة كبيرة".

وفي مناسبة أخرى، حيا ترامب أولئك الذين أدينوا بمهاجمة مبنى الكابيتول في 6 يناير 2021، معتبرا أنهم "رهائن ووطنيون". وردًّا على ذلك أكد نائب الرئيس السابق لترامب، مايك بنس ــــ الذي أراد هؤلاء "الوطنيون" قتله في 6 يناير ـــــ أن تلك اللغة "غير مقبولة"، وقال لشبكة سي بي إس نيوز إنه "لا يستطيع بضمير مرتاح" دعم ترامب.

أكثر من ذلك، لم يتردّد ترامب، بالدفاع عن المقربين منه وحتّى إن كانوا خارجين عن القانون، واعتبارهم مظلومين أمثال مستشاره السابق بيتر نافارو الذي دخل السجن هذا الأسبوع بعد إدانته بازدراء الكونغرس. 

وبالمثل حاول ترامب تبرئة مدير حملته السابق، بول مانافورت بالرغم من إدانته بتهمة الاحتيال المصرفي والضريبي، وبالعمل لخدمة المصالح الموالية لروسيا في أوكرانيا. اشارة إلى أن جوش داوسي من صحيفة واشنطن بوست، أفاد أن مانافورت سيعود على الأرجح كمستشار لترامب هذا العام.

ليس هذا فحسب، استغل ترامب ظهوره في برنامج استضافه السياسي البريطاني المناهض للمهاجرين نايجل فاراج، فهدّد بطرد السفير الأسترالي لدى الولايات المتحدة، وبترحيل الأمير هاري. والغريب انه عندما سئل عما إذا كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هو الشخص الذي يمكن التفاوض معه، أجاب ترامب: "نعم، أعتقد أنه كذلك".

اما اخطر ما تفوه به ترامب بالنسبة للأميركيين، فهو عندما قال في اجتماع حاشد في أوهايو: "إذا لم يتم انتخابي، فسيكون ذلك بمثابة حمام دم للجميع، وهذا أقل ما يمكن أن يحدث. سيكون حمام دم للبلاد". ونظرًا لتاريخه الحافل بإراقة الدماء، فقد اقلق هذا التصريح الكثير من القيادات والسياسيين داخل الولايات المتحدة. 

لكن مهلا، لم تتوقف ابداعات ترامب عند هذا الحد. ففي حين قال إن حاكم ولاية كاليفورنيا جافين نيوسوم "حثالة جديدة و"فنان هراء"، أشار إلى أن حاكم ولاية إلينوي جيه بي بريتزكر، الذي يعاني من زيادة الوزن مثل ترامب، "منشغل للغاية في تناول الطعام". وعلى المنوال ذاته، وإذ وصف بايدن بـ"الابن الغبي والمرشح المنشوري"، اشتكى بالمقابل من إزالة أسماء الجنرالات الكونفدراليين من القواعد العسكرية. 

وفي مقابلة مع قناة فوكس نيوز مع ترامب، سأله المضيف هوارد كورتز عن سبب استخدام "كلمات مثل تسميم الدم عند حديثه عن" المهاجرين والمعارضين، حتّى مع علمه أنه سيتم مقارنتها بلغة هتلر وموسوليني، أجاب ترامب: "لأن بلادنا تتعرض للتسمم". وادعى أن "مصحات المجانين الأجنبية يتم إفراغها في الولايات المتحدة"، مشبهًا المهاجرين القادمين بهانيبال ليكتر في فيلم "صمت الحملان". إضافة إلى ذلك، اعتبر أن كلّ يهودي يصوت للديمقراطيين يكره دينه.

وليس بعيدا عن ذلك، غالبا ما يسخر من بايدن ويصور الرئيس على أنه مرتبك وبلا هدف، ويركز بالتحديد على تلعثم الأخير. فبعد خطاب ألقاه بايدن في ولاية بنسلفانيا في يناير/كانون الثاني، تحدث ترامب أمام حشد من الناس في مركز سيوكس بولاية أيوا قائلًا: "لقد كان يتلعثم في الأمر برمته. إنه يقول إنني أشكل تهديدًا للديمقراطية".

اللافت أن ترامب الذي استعاد جملة بايدن "إنه يشكّل تهديدًا للديمقراطية" قام بتكرار كلمة الديمقراطية، مرتين خلال خطابه. والمثير محاولته المتعمدة تهجئة حرف "د" وتظاهره بأنه يتلعثم (في اشارة سخرية من بايدن) وقال "لم أتمكّن من قراءة الكلمة".

 وعلى خلفية انتقاد الصحفي تشارلز كراوثامر (الذي يستخدم كرسيا متحركا) لترامب، شن الأخير هجوما لاذعا على كراوثامر، فوصفه في مقابلة تلفزيونية عام 2015، بـ"الرجل الذي لا يستطيع شراء بنطال".

وتعليقا على ذلك قال تي جيه داكلو، المتحدث باسم حملة بايدن: "يعتقد ترامب أن السخرية من الناس وسلب حقوقهم تجعله يبدو قويا. لكنّه يكشف فقط مدى ضعفه وانعدام الأمان والضعف الذي يواجهه في مواجهة الناخبين الذين يريدون قيادة حقيقية".

وما قدرات ترامب وأهليته؟ 

غني عن التعريف، أن ترامب ينتقد بايدن بشكل روتيني بسبب جدول أعماله الخفيف وتدهور قدراته العقلية (كما يتهمه خصومه الجمهوريون)، غير انه ظهر بدوره أثناء تجمع انتخابي هذا الأسبوع، بمظهر العاجز عن متابعة الكلام، من دون تدخل مساعديه وكتبة خطاباته. 

فترامب حينها كان يتباهى قائلًا: "أنا لا أستخدم الملقنات" (اي جهاز يتمكّن عبره مساعدوه من تلقينه بما يتوجب عليه قوله)، حتّى أنه كان يزعم أنه "إذا ترشحت للرئاسة، فلا ينبغي أن يُسمح لك باستخدام الملقنات".
لكن الكارثة حلّت عندما تأثر جهاز التلقين بالطقس العاصف خارج دايتون، فكان ترامب تائهًا، حيث استطرد قائلا "إنه أمر جيد عندما لا تضطر إلى استخدام الملقن، لأنني لا أستطيع قراءة كلمة واحدة وهم يتحركون". وبعد ثلاث عشرة دقيقة، كرّر قائلًا: "ليس لدينا أجهزة تلقين". والمضحك انه مع مرور سبع عشرة دقيقة من ذلك، غضب واحتج مؤكدا: "لا أستطيع قراءة هذا الملقن اللعين. هذا المصاص يتحرك. … لا تدفع لشركة الملقن"!
في المحصّلة، إن مغازلة ترامب لرئيس وزراء حكومة "إسرائيل" الفاشية بنيامين نتنياهو دفعت بعض السياسيين الأميركيين إلى اعتبار أن كلا الرجلين سيجعل "إسرائيل" منبوذة ويضعانها على المسار السريع نحو تدميرها لتحقيق مكاسب خاصة بهما. وأضافوا لذا، لا ينبغي لنا أن نجادل بشأن ما يعنيه ترامب عندما وعد "بحمام دم" إذا خسر الانتخابات. لقد بدأ حمام الدم بالفعل.

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف