نقاط على الحروف
التصعيد الأمريكي واستنساخ مشروع بيريز للشرق الأوسط الجديد
إيهاب شوقي
لا يزال التصعيد في الخليج هو العنوان الراهن للسياسة الدولية، وهو الخبر الأبرز في كل وسائل الإعلام، وتتبارى الصحف ووسائل الإعلام الموجهة في افتعال توقعات نشوب الحرب وحتميتها، وهنا لا بد من وقفة تحليلية لازمة للبحث عن أسباب التصعيد ومدى جدية نشوب الحرب، ولماذا تصدر التحليلات المتنبئة بحتمية الحرب بشكل مكثف، وأيضا لا بد من تحليل التوقيت ودلالاته.
بداية، ومحاولة للالتزام بالموضوعية، يجب القول إن الوضع بالخليج خطير، ومصدر هذا الخطر ليس جدية التهديدات ولا الرغبة في الحرب من جميع الأطراف، وإنما مكمن الخطر هو احتمالات الشرارة التي يمكن أن تنشب بسببها الحرب.
وعندما يقول شخص بحجم المرشد الأعلى السيد على الخامنئي إنه لا حرب ولا تفاوض، فإن الحسابات العقلية والميدانية الدقيقة لا بد وأن تكون خرجت بهذه النتيجة، ولكن لا يمنع ذلك من الحسابات غير العقلانية أو أي شرارة توريط خارجية، أو خطأ حتى غير مقصود، يهدم حسابات العقل والميدان ويقود إلى حرب ستكون وبالا على الإقليم وستصل تداعياتها الى ساحات دولية اكثر بعدا واتساعا.
كما يجب أيضا أن يقال، إن عدم الرغبة في الحرب من جانب ايران والمقاومة لا يعني عدم الاستعداد والجهوزية التامة، التي امتلكت بها المقاومة كافة وسائل القوة والردع تحسبا لهذه اللحظة.
وإذا ما حاولنا تحري أسباب التصعيد وتصريحات ترامب الاستفزازية ولهث وسائل الإعلام الموالية لأمريكا والصهاينة وخاصة في الخليج للتهويل، فإنه يمكن قراءة ما يلي:
1ـ مزيد من الحرب النفسية والضغط على إيران لانتزاع التنازلات.
2ـ حفظ ماء وجه ترامب الذي أتى بقواته وحاملة طائراته وقاذفاته متصورا أن إيران ستمتلئ رعبا وتسعى للتفاوض، وكلما مر الوقت دون الاتصال بهاتف ترامب الذي أرسله لإيران، فإن صورة ترامب يزداد اهتزازها، وأصبح الرجل في موقف لا يحسد عليه، فهو غير قادر على الحرب ولا قادر على التهدئة!
3ـ اقتراب الإعلان المزمع عن "صفقة القرن" المزعومة وتزامن الإيحاء بالقوة مع إعلان أولى خطواتها بالعاصمة البحرينية المنامة، التي أعلن أنها ستستضيف يومي 25 و26 حزيران/ يونيو "ورشة عمل اقتصادية" تحت عنوان "السلام من أجل الازدهار"، للتشجيع على الاستثمار في المناطق الفلسطينية، كخطوة أولى لخطة (السلام).
وإذا ما حاولنا مجددا حساب جدية الحرب وفقا للتوازنات وحساب المخاطر، وكذلك لحجم القوة والتجهيزات والممارسات الأمريكية، فيمكننا ببساطة اكتشاف أن خيار الحرب مستبعد، وأن تجهيزات أمريكا دفاعية بالدرجة الأولى وتنم عن خوف حقيقي من إيران ومحور المقاومة، وتختلط التهويلات والذرائع بمخاوف حقيقية، وأقصى ما تطمح إليه أمريكا هو تصفير النفط الإيراني دون إغلاق مضيق هرمز، أي تعميق الحصار الاقتصادي وليس الحرب، ولا نظن أن المقاومة ستسمح بإمرار هذه المقاربة الأمريكية رغم التزامها بالحكمة والتعقل.
أما تزامن صفقة القرن المزعومة مع هذه الإجراءات، والإعلان عن أول ملامحها، فإننا نرى أن الصفقة الموعودة لا تخرج عن فلسفة شيمون بيريز في كتابه "الشرق الأوسط الجديد"، وقد تزداد حدة ربما مع الضعف الذي وصل إليه النظام الرسمي العربي، بما يشكل خللا في توازن العصا والجزرة، فمع المزيد من الارتهان العربي والخيانات التي ازدادت عمقا للقضية حتى وصلت لأعمدتها الرئيسية، فقد كثف ترامب من استخدام العصا في مقابل الجزرة، وهو ما يعني مزيدا من الترهيب وقليلا من الامتيازات للمفرطين.
وتكفينا فقرتان من كتاب بيريز لمحاولة إيضاح ما نقوله:
أولا: يقول شيمون بيريز في كتابه الشرق الاوسط الجديد:
"يمكن لنا ان نبدأ في نقطة البحر الاحمر، فقد تغيرت شطآن البحر الأحمر مع الزمن واصبحت مصر والسودان واريتريا تقع على احد الجوانب فيما تقع "اسرائيل" والاردن والسعودية على الجانب الاخر وهذه البلدان تجمعها مصلحة مشتركة، ويمكن القول انه لم يعد هناك اسباب للنزاع، فأثيوبيا من بعد نظام منجستو واريتريا المستقلة حديثا تريدان اقامة علاقات سليمة مع جاراتهما بما في ذلك "اسرائيل"، في حين ان مصر وقعت بالفعل اتفاقية سلام مع اسرائيل، اما الاردن والسعودية واليمن فتريد تأمين حرية الملاحة والصيد وحقوق الطيران".
وهذه الفقرة توضح أسباب محاولة الجمع وتوحيد دول عربية مع العدو الصهيوني في معسكر واحد باعتبار العداء للمقاومة مصلحة مشتركة، وكذلك الوجود الصهيوني والخليجي بالقارة الإفريقية وتحديدا قرب المضائق، كما تفسر الإصرار على العدوان على اليمن واستمرار الحرب الفاشلة به رغم كل انتهاكات القانون الدولي، وكذلك التمسك بانتزاع تيران وصنافير.
ثانيا: كشف بيريز كيف سيبدأ التطبيع الكبير عندما قال في كتابه "ويمكننا كخطوة أولى التركيز على القضايا الانسانية مثل التعاون في عمليات الانقاذ البحري والجوي واقامة شبكة اتصالات للانذار المبكر من المناورات البرية والبحرية، كما ويمكن الحفاظ على النظام الاقليمي من خلال المشاريع المشتركة، ابحاث، تطوير مصادر الغذاء من البحر، وكذلك السياحة، أما إقامة حلف استراتيجي فستكون خطوة ممكنة في مرحلة متقدمة".
وهذه الفقرة توضح وجود القوات الأمريكية والإعلان عن إعادة الانتشار بالخليج، مرورا بالمناورات المشتركة بين العدو ودول خليجية، والتهويل من الخطر على ناقلات النفط والملاحة البحرية.
نحن أمام استنساخ لمشروع الشرق الأوسط الجديد، وكل ما تفعله أمريكا هو تعويض الفشل عن إنفاذه بالقوة بسبب صلابة المقاومة وصمودها، عبر انفاذه بالمزيد من انتزاع التنازلات من توابعها بالخليج والنظام الرسمي العربي!
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
20/11/2024
ما بين عامَي 1948 و2024 ما الذي تغيّر؟
20/11/2024
أن تصبح سردية العدو شغل LBCI الشاغل!
18/11/2024
عن قائد كتيبة الإعلام المحارب..
16/11/2024
ضاحية السيد: مدينة تسكننا!
16/11/2024
الانهزاميون ينتشون بفائض الحرب والتدمير
15/11/2024