نقاط على الحروف
عن الناطقين باسم الكيان: بين العبريّة والعربية
ثمانية أشهر انقضت، وما زال الصهاينة يتخبطون في دوّامة التهديدات والخطابات التي يحاولون من خلالها الإيحاء بأنهم يمتلكون زمام الأمور والميدان؛ ولم يزل أيضًا أهل الخطاب المحلّي المتماهي مع الخطاب الصهيوني، بل والملكيّ فيه أكثر من الملك، يكرّرون بشكل منفصل عن الواقع تهويلهم على الناس بالسيف الصهيوني، متعمدين تجاهل كلّ معطيات الميدان وكلّ الأبعاد الأخلاقية والإنسانية والحقوقية في الموقف من هذه الحرب الواضحة.
في المشهد الصهيوني، يحلّ التناقض الفاضح بين تهديدات يعلم مطلقوها قبل الجمهور أنّها غير قابلة للتحقّق، وبين مواقف يمكن وصفها بعقلانية المهزوم وموضوعية مَن أدرك ضعفه، يقرّ أصحابها بهزيمة "إسرائيل" منذ اليوم الأوّل للحرب وبعجز الكيان عن تحقيق أيّ من أهداف حربه، بل ويعجز عن السيطرة على "دومينو" خسائره الفادحة والتي تتراكم يومًا بعد يوم وأصبحت جبلًا يسحق تحته صورة الكيان "القويّ والمتفوّق ذي الجيش الذي لا يُقهر".
فريق التهديد والوعيد الصهيوني داخل الكيان، تحوّل إلى محطة سخرية من جمهور الصهاينة حول العالم. فالفريق المدرِك لعجز كيانه عن تحقيق أيّ نصر يُذكر ولو صوريًا، يتولّى الردّ على الفريق الأوّل، يقرّعه، ويكشف كلّ أوراق الهزيمة المتراكمة، بحيث صارت التهديدات "العبرية" التي ينقلها إعلامهم تأتي مرفقة دائمًا بسخرية عبرية أيضًا. صحيح أنّ التهديدات الكلامية وبعض الخطوات التصعيدية المدروسة في الاعتداءات اليومية على قرى الجنوب لم تزل مستمرّة ويحاول العدوّ من خلالها تمويه عجزه وتجميل فشله، إلّا أنّه يمكن لأيّ مراقب أن يلاحظ التصدّع الحاصل في أصل وجود الكيان، وفي خطابه اليوميّ الذي يهدّد بيدٍ، وبالأخرى يكفكف دموع هزيمته المشهودة.
أمّا في المشهد المحلّي، فالأمر مختلف عمّا هو عليه "عبريًا"؛، ناقلو التهديدات والمهوّلون بها والرافضون لحقيقة أن "إسرائيل" تُهزم يمارسون بشغفٍ واضح دفن رؤوسهم في الرمال كي لا يروا بأعينهم ما يجري في الميدان، ومن تحت الرمال يهوّل ويهدّد ويتباكى ويظهر كأنّه يودّ شكر الصهاينة على "طولة بالهم" وتمنّعهم عن شنّ حربٍ شاملة ضدّ لبنان، بل يبلغون حدّ الشعور أحيانًا أنّ "إسرائيل" لم تفعل ذلك حتّى اللحظة كُرمى لخاطرهم. ولو كُشف الغطاء عن أمنياتهم وقلوبهم، لرأينا عظيم خيبتهم بالكيان وعتبهم عليه لعجزه عن تنفيذ أيّ من التهديدات التي ينقلونها بحسرة. وهم إذ يخفون في صدورهم خيبتهم وعتبهم، فذلك ليس حياءً بل ربّما لكون الأدوات لا تمتلك حق معاتبة مشغلّيها، أو لخضوعهم التام لصورة "الوحش" الذي لا يُقهر. وفي محاولة لتخطّي هذا القهر، نرى من بينهم مَن يناشد الدّول كي تنقذ لبنان "الذي يخطفه حزب الله"، في محاولة يائسة لإنقاذ "إسرائيل" من تهديد حزب الله في ظلّ إقرارها بالعجز عن تحمّل تبعات أي تصعيد نوعيّ أو جغرافيّ معه، ونرى من ينظّر في حقّ "إسرائيل بالدفاع عن نفسها" ويحسب أنّ اعتداءاتها في الجنوب هي دفاع عن النّفس بعد أن استمات طوال شهور في ترداد القول بأن الحزب لا يملك أن يؤذي الكيان وأن مسيّراته هي "درون لتصوير الأعراس". وخلف هذين الناطقين اللذّين يتحسّسان ممّا يسميانه تخوينًا ولا يلتفتان لحجم تماهيهما مع الرغبات الصهيونية، حتّى تلك التي بات العدوّ بنفسه عاجزًا عن التعبير عنها، إذ أدرك استحالة تحقيقها.
في المشهدين، يُمنح الناطقون باسم الكيان مساحات إعلامية مختلفة للقيام بعملهم، وإن كان في المشهد العبريّ أغلبية تقرّ بحقيقة العجز رغم استخدام أعلى ما في خيل السلاح الأميركي والدعم الدوليّ، ففي المشهد المحليّ الناطق بالعربية من لم يزل عالقًا في زمن كانت فيه "إسرائيل" تمتلك أن تنفّذ تهديداتها.. يرفض الواقع ويغرق في وهم "فوز إسرائيلي" يعيد ماء الوجه ليس فقط للكيان المؤقّت، بل أيضًا للمراهنين عليه الذين يوجعهم إفلاسهم حدّ التهديد بما لا تملك "إسرائيلهم".
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
28/10/2024
المراسل الحربي لا ينقل "مجرد وجهة نظر"..!
26/10/2024