معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

لماذا تتضارب مواقف الادارة الاميركية حول ايران؟
30/05/2019

لماذا تتضارب مواقف الادارة الاميركية حول ايران؟

شارل أبي نادر

تتضارب بشكل واضح مواقف الادارة الاميركية الاخيرة حول ايران، ففي حين يصرح من طوكيو الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن امكانية فتح باب التفاوض معها، وعن عدم الرغبة الاميركية بتغيير النظام في طهران التي، حسب الرئيس الاميركي، تريد اجراء صفقة مع واشنطن، والتي بدورها لا تمانع، يتهم مستشار الامن القومي الاميركي جون بولتون من ابو ظبي، وبعد اقل من 48 ساعة من تصريح رئيسه من طوكيو، يتهم ايران بتفجيرات السفن في الفجيرة في 12 ايار/ مايو الحالي، قائلاً إن السفن الاربع هوجمت بالغام بحرية، من شبه المؤكد انها ايرانية.

من الناحية العملية، لم يُدخل مستشار الامن القومي الاميركي اي جديد على الموضوع، فاتهام ايران صدر من أكثر من مصدر اميركي وخليجي مباشرة بعد حصول تفجيرات السفن في الفجيرة، كما أن صياغة بولتون لاتهامه الاخير، لا تختلف كثيرا عن صياغة مضمون الاتهامات التي صدرت مباشرة بعد الحادثة، فهو يقول عبارة "من شبه المؤكد انها ايران"، و"شبه" المؤكد هذا لا يعني كثيرا  في عالم التحقيقات والاثباتات، وكأن المستشار الاميركي في ذلك، لا يبتعد كثيرا عن تصريح رئيسه في التماس التفاوض مع ايران، فما هي تفسيرات هذا التناقض والغموض في المواقف الاميركية حول القضية الاكثر حساسية في المنطقة والعالم حاليا، والتي هي امكانية المواجهة العسكرية بين واشنطن وطهران؟؟

بداية، لا بد من التطرق الى تحليل اتهام بولتون من الناحية العسكرية الفنية، فحصول التفجيرات بواسطة الغام بحرية هو وارد بقوة، بمعزل عن هوية المنفذ، وبابعد تقدير لو لم يكن ذلك بواسطة الغام بحرية، فهو حتما بواسطة عبوات ناسفة تم الصاقها على السفن وتفجيرها لاحقاً عن بعد، او تم تعييرها لتنفجر بعد وقت محدد، مع إبعاد كلي لفرضية  الاستهداف بصواريخ بحر- بحر او جو- بحر او تحت سطح البحر، من غواصة او من ضفادع بشرية، والسبب في ذلك أن سواحل ومياه الامارات، غرب او شرق مضيق هرمز، هي مرصودة بالكامل من خلال وسائل مراقبة ورصد اميركية وخليجية متطورة، وخاصة انه يوجد على مقربة من ميناء الفجيرة قاعدة لوجستية اميركية، غنية بالتجهيزات والقدرات العسكرية المتقدمة.

أن تحصل التفجيرات في السفن المستهدفة بواسطة الغام بحرية اوعبوات ناسفة لاصقة، فان الامر لا يتطلب فترة اسبوعين لمعرفة كل المعطيات عن ذلك، فالتفجيرات حصلت والاضرار كانت واضحة، وخبراء الهندسة العسكرية يستطيعون اعطاء تقريرهم  بعد معاينة مواقع  ونقاط التفجير في السفن مباشرة وخلال بضع ساعات كحد اقصى، وتحديد نوع ومصدر اللغم او العبوة الناسفة يمكن أن يتم ايضا مباشرة بعد معاينة موقع التفجيرات، وهذه المعطيات الفنية التي لا يصعب على اي وحدة هندسية عسكرية متوسطة المستوى معرفتها بشكل دقيق، وبالتالي كشف المسؤول عن التنفيذ، هو أمر تعلم به ايران جيدا فيما لو قررت تنفيذ العملية.

لماذا تتضارب مواقف الادارة الاميركية حول ايران؟

إذاً، هذا التأخير في تحديد المسؤول عن التفجيرات لمدة اسبوعين، لم يكن بسبب فني علمي يتعلق بالمعاينة والتحقيق، بل يتعلق بالحاجة لاستغلال الموضوع من خلال زيادة الضغط السياسي على ايران، والذي يتواكب مع تلميحات وعروضات ضمنية للتفاوض، ولكن لماذا لم يتم اتهام ايران مباشرة بعد حصول التفجير، ولماذ تُركت هذه الثغرة في التأخير معرَّضة للشكوك كما هو حاصل الان؟

أسباب ذلك يمكن ان نستخلصها من مسار الاشتباك الاميركي ـ الايراني الاخير، وكيفية تطور تداعياته، وذلك على الشكل التالي:

- الموقف الايراني من الناحية القانونية الدولية هو موقف قوي وثابت ومستند الى اتفاق شبه دولي، ولم يعمد اي من الاطراف الخمسة الموقعة عليه الى التملّص منه، على الاقل اعلاميا وديبلوماسيا.

- تبيّن للاميركيين ان ايران لم تضعف ابدا في مرحلة الضغط  الاقتصادي القاسية مؤخرا، وقد بقيت على موقفها الثابت لناحية اعتبار الاتفاق النووي حقيقة حاصلة لا يمكن تجاوزها او البحث فيها مع اي تفاوض جديد.

- تبيّن ايضا للاميركيين بما لا يقبل الشك ابدا، ان ايران جاهزة عسكرياً للمواجهة بكل ما للكلمة من معنى، والتهديد الايراني الصريح باغراق السفن والبوارج الحربية الاميركية في الخليج، وباسلحة سرية غير مكشوفة سابقا، هو تصريح جدي بالكامل ويحمل نسبة مرتفعة جدا من امكانية حدوثه، واصلا تعلم واشنطن حقيقة امتلاك ايران قدرات باليستية واستراتيجية متطورة، وهذا الموضوع كان باساس التصويب الاميركي على قدرات ايران عندما انسحبت من الاتفاق النووي.

- قيام الجيش اليمني ووحدات انصار الله باستهداف خط نقل النفط السعودي من المنطقة الشرقية الى سواحل البحر الاحمر وتعطيله جزئياً، يضاف اليه الهشاشة الامنية والعسكرية التي ظهرت في ميناء الفجيرة، الذي يُعتمد عليه بشكل كبير في تجاوز مضيق هرمز لنقل النفط الخليجي، كل ذلك اعطى الأميركيين صورة واضحة عن استحالة تصدير القسم الاكبر من نفط الخليج فيما لو توترت الاوضاع أكثر مع ايران.

من هنا، ولهذه الاسباب لجأ الاميركيون الى توليف ورقة ضاغطة على ايران، هي اشبه باوراق الضغط التي ولّفوها على بغداد عند اتهامها بامتلاك اسلحة دمار شامل قبل غزو العراق في بداية التسعينيات، فكان الاتهام المعلَّب لطهران بتفجيرات الفجيرة على لسان جون بولتون عراب اتهام العراق سابقا، وبنفس الوقت بقي مسلك التماس التفاوض معها مفتوحا من خلال الرئيس ترامب.

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف