طوفان الأقصى

نقاط على الحروف

المقاومة.. الاسم والعنوان
12/06/2024

المقاومة.. الاسم والعنوان

من هو "البطل" في حياة الأمّة أو الأمم؟ من هؤلاء الصفوة ممن يكونون في واقع الحال أعذب تعبير عن الأماني الكبرى لأوطانهم؟ من هم فرسان الأحلام في حالة عربية كتب عليها الكوابيس والكوابيس فقط؟ هل هو القائد الميداني الذي يقابل الموت ألف مرة ويتمناه؟ أم هو ذاك العقل العسكري الإستراتيجي الذي يرسم بقدراته وروحه أقصر الطرق نحو النصر الإلهي الموعود؟ هل هو القائد المنتصر بأكاليل الغار، أم هو الفادي بدمه أهله وناسه ودينه وأرضه وشرفه؟ لن يمتلك أحدنا يومًا الإجابة عن هذا السؤال، لكن حزب الله منذ العام 1982، علّمنا – نحن - أن معادلاته ليس فيها تقديس ثوابت أو إمكانيات أو ظروف، لذا فهي كتبت التاريخ، دمًا يسيل ويعيد إلينا حق الإمساك بمصائرنا وتوجيهها.

إذا كانت مناسبة الحديث هي اغتيال صهيوني للشهيد القائد أبي طالب، وهو الاسم الذي حمل خصوصية خلابة وذات شجون عميقة منذ القديم، فمن سخرية القدر أن تاريخنا معهم منذ عام 1982 يقول بصراحة ووضوح إن الكيان لم يقرأ حزب الله أبدًا، ولم تفهم أركان حربه ومؤسسات استخباراته ومختبرات أمنه روحية الحزب في يوم من الأيام، ولو أنه قرأها فلا بد أنه قام بذلك بـ "الشقلوب"، فهو اختار المضي في طريق خبره عشرات المرات، ولم تكن النهاية في كلّ مرّة غير وبال جديد عليه، وخيبة وحسرة وندم.. ثمّ ثأر وإهانة.

الشعار الذي بدا حلمًا يتنزل على قلب رجل معلق بالسماء "سقطت إسرائيل" لسماحة سيد شهداء المقاومة الإسلامية السيد عباس الموسوي، لم يكن اندفاعة إيمانية من رجل أمسكت به الحماسة واشتعلت في قلبه شعلة الفكرة، بل كان بصيرة فريدة لرجل عرف بقلبه أن المواجهة مع العدوّ قد دخلها - لأول مرة في تاريخها - أبناء محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، كان هذا الخطاب الواثق الكاشف ينساب دائمًا في كلّ خطابات الأمين العام سماحة السيد حسن نصر الله، أعزه الله، وشهد تكثيفًا شديدًا في الأسابيع الأخيرة، نحن لا نحارب معركة احتمالات، نحن نحارب معركة وجود، وفي معركة الوجود الكبرى فإن الخيارات أمامنا هي إما نحن وإما نحن.

ما نعرفه يقينًا أننا محزونون، فقد فوتنا معرفة شخصية أخرى تنتمي إلى عالم أسمى وأعلى كثيرًا من عالمنا، عالم أرواح كربلاء. وفي الغالب لن ينشر عن السيد القائد الشهيد أبي طالب سوى نذر يسير من جهاده، بدواعي السرية الضرورية والمطلوبة والمفهومة التي تتعلق بهيكل القيادة في حزب الله، وسيبقى جل عمله جهاد سر بينه وبين الله سبحانه تعالى. ما يعنينا هنا هو أن الحزب يقدم لمعركة الوجود ما يلزمها، قادة أبطال وسط جنود أبطال، مشاهد ترفع الرأس وتدفع مع الدم إحساساً بعزة المؤمن ومروءته وشرفه وإقدامه وشهامته. في هذا الجانب تقدم الشهادة لصاحبها "نصر حياته"، بعد أن يكون قد أمضى حياته وقودًا لرحلة مقدسة في مسيرة التحرر العظيم.

بعد اغتيال السيد القائد الحاج عماد مغنية، في دمشق، ظن العدوّ أنه أطفأ القلب الملتهب للقوة العسكرية لحزب الله. لم تدرك "تل أبيب" خطأها أبدًا. ما بعد هذا الاغتيال وحين دارت الدائرة على سورية، عرف الحزب أين هي حربه وأين هو ثأره، وانطلق ماردًا إقليميًا، ولم يربح الحرب ضدّ تنظيمات الإرهاب في سورية، وفقط، لكنّه أسس لمرحلة جديدة عمادها قوة عسكرية ضخمة كفوءة التسليح تستطيع في أية مواجهة عسكرية بعدها أن تكون صاحبة اليد العليا في الميدان أمام الخصم المباشر: كيان العدو، والمتابع لتطورات جبهة شمال فلسطين هذه الأيام سيدرك من هو صاحب اليد العليا في الميدان، ومن هو الطرف الأكثر انكسارًا منها، وفزعًا من تطوّراتها.

لو قامت الحرب اليوم، لن تكون بطبيعة الحرب في غزّة، وتحت سقوف الحصار والخذلان العربي المرير، لكنّها مواجهة مباشرة مع القوّة الأفضل في الشرق الأوسط، تسليحًا واستعدادًا وإيمانًا وخبرات قتالية هائلة في ميادين عدة، يسميها بعض العسكريين "تعميد النار"، وهي أهم عناصر القوّة المسلحة الحديثة. كما أن سلاح حزب الله لم يتوقف عند حدود تموز 2006، المواقع الصهيونية ذاتها تقول إن لدى الحزب ما يفوق مئتي ألف صاروخ، ولم يستخدم طوال 249 يومًا من القتال سوى 5% منها، وأن ترسانة الحزب تمكّنه من الوصول لأية نقطة في الكيان وضمان تدميرها بشكل كامل، بما في ذلك الشريط الضيق الذي تقع فيه كلّ أعضاء الكيان الحيوية، وأن مجال الإمداد للحزب مفتوح بعكس غزّة تمامًا، بما يعني أن الجيش الصهيوني الذي انهار على أبواب غزّة كان في الحقيقة يقوم بنزهة عسكرية لا أكثر بالنسبة لما ينتظره من جحيم في الشمال.

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف