طوفان الأقصى

نقاط على الحروف

"الموساد" ومجزرة إهدن.. من تاريخ لبنان
13/06/2024

"الموساد" ومجزرة إهدن.. من تاريخ لبنان

فجر الثالث عشر من حزيران/يونيو 1978، دخلت مجموعة من القواتيين بقيادة سمير جعجع وبأمر من بشير الجميّل إهدن، وارتكبت مجزرة في دارة آل فرنجية: طوني فرنجية وزوجته وابنته جيهان ذات الأعوام الثلاثة كانوا في عداد الضحايا الذين قُتلوا بدم بارد وبوحشية تحكي حقد المرتكبين من جهة، وعزم الجهة التي أصدرت الأمر بالتنفيذ على إقفال بيت آل فرنجية السياسي إلى الأبد. حُكي أنّ بشير الجميّل كلّف سمير جعجع بانتقاء مجموعة من الشرسين لتنفيذ "المهمّة"، وأنّ جعجع أصيب خلال تنفيذها، وأنّ الهدف منها كان أبعد بكثير من "ضربة" يوجهّها طرف إلى آخر في حرب أهلية. حُكي الكثير الكثير، وبعض ما قيل جرى التعتيم عليه تحت عنوان "طيّ ملفّات الحرب" و"عدم نبش الذكريات المؤلمة". وممّا عُتّم عليه كان بشكل خاص متعلّقًا بالرابط بين ""الموساد"" والمجزرة.

يروي كتاب "مجزرة إهدن أو لعنة العرب المسيحيّين" للصحافي الفرنسي ريشار لابيفيير، تفاصيل مجزرة إهدن وخلفيّاتها السياسيّة ودور "الموساد" فيها. بقي لابيفيير سنينَ يجري المقابلات والتحقيقات حول المجزرة بشكل خاص وحول أساليب عمل "الموساد" في العالم بشكل عام. وبناء على ما تمكَّن من تحصيله من معلومات ومعطيات ذكرها بالتفصيل في كتابه، يظهر أن الخلية النفسية في "الموساد" أعدّت "العملية السرية التي كان يُفترض بها أن تؤدي حتمًا إلى اغتيال طوني فرنجية". ويذكر أنّه بعد تحليل شخصيات معظم القادة الكتائبيين، اختارت الخلية النفسية سمير جعجع، الذي كان يبلغ من العمر حينها 26 عامًا.

ينقل الكاتب عن أحد ضباط "الموساد" التالي: "كانت العملية العسكرية الكبيرة تقضي بالتمركز في شمال لبنان دائمًا، فيما كانت العملية السرية ضمن العملية تقضي بقتل طوني فرنجية، فيُقضى بذلك على أبرز منافس لبشير الجميل على رئاسة الجمهورية اللبنانية في المستقبل. وكان يجب أن تُعهد هذه العملية السرية إلى رجل حازم يجعل منها قضيته الخاصة. قبل أن يُقترَح اسم سمير جعجع على بشير، اعتُمد لأسباب ثلاثة: إذ كان من بشري، فقد ترعرع على العداوة لأهالي زغرتا وعلى الريبة منهم. وبما أنه تحدّر من عائلة متواضعة، كان جعجع الشاب يعتبر "مارونيته" وسيلة لقلب سلطة العائلات الكبيرة، ومنها عائلة الجميل التي لم تكن تثق ب، وأخيرًا، لمّا كان يبحث عن سبيل لكي يلمع نجمه عسكريًا، مثّل الواجهة المثالية لحماية بشير، فكان ينبغي ألا يظهر دور الأخير بوضوح في هذه القضية التي قد تهدّد مستقبلًا سياسيًا يُفترض به أن يكون موضع إجماع عندما يحين الوقت لذلك". ثمّ يختم الضابط "الموساديّ" بالقول: "كانت هذه العملية من أجمل عمليات "الموساد" في لبنان".

"الموساد" ومجزرة إهدن.. من تاريخ لبنان

بالمختصر، الوحشية التي اتسمت بها المجزرة، والتي يمرّ اليوم على ارتكابها 46 عامًا، لم تكن ناتجة فقط عن حقد المنفذين أو عن حسابات "الكتائب" ضدّ المردة، بل أيضًا عن كونها جاءت بأمر من "الموساد" عبر دميته بشير الجميّل، وفي سياق المساعي لصناعة "كامب دايفيد لبناني" بحسب ديفيد كيمش، الذي لعب دورًا أساسيًا في علاقات جهاز الاستخبارات "الإسرائيلية" مع "الكتائب".

المعلومات حول المجزرة وتفاصيلها متوفرة في أرشيف الصحف والمؤسسات التوثيقية وطبعًا عبر محرّكات البحث. وبشكل أو بآخر، توفُّرُ هذه المواد لا يُخجل المرتكبين ولا يدفعهم إلى تلاوة ندامة وإن شكلية. وعليه هم يتباهون بما ارتكبوا لأنّه كان مهمّة "إسرائيلية" نجحوا في تنفيذها، تذكّرهم بزمن استطاعوا فيه تنفيذ الأوامر الصهيونية بحذافيرها، وبزمن كانوا فيه محلّ ثقة الصهاينة. وربّما يرجون لو يعود هذا الزمان، ما يفسّر البرقية الصادرة عن سفارة الولايات المتحدة الأميركية في بيروت عام 2008، والتي تحدثت عن طلب مباشر من سمير جعجع إلى القائمة بالأعمال الأميركية ميشيل سيسون بإبلاغ بلادها عن وجود ما يقرب من 10 آلاف مقاتل جاهزين بإمرته لقتال حزب الله، وبحاجتهم إلى العتاد والسلاح. بغضّ النظر عن كيفية تجاوب الأميركيين مع هذا العرض المقترن بالطلب، يبدو أنّ القتلة غارقون في الحنين إلى زمن تنفيذ المهمّات التي يريدها العدو، كمجزرة إهدن، على سبيل المثال لا الحصر. ويبدو أيضًا أنّهم ما أدركوا بعد أنّ "زمن الأوّل تحوّل".

القوات اللبنانيةسمير جعجعالموسادسليمان فرنجية

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف