معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

سر قوة النظام الإسلامي في إيران
05/07/2024

سر قوة النظام الإسلامي في إيران

على مدى خمسة وأربعين عامًا حاك الغرب الأضاليل حول نظام الجمهورية الإسلامية في إيران ووصمها بكلّ ما لديه، لم يترك شائنة إلا وألصقها بها، واخترع كلّ أشكال الحروب والمؤامرات لإسقاطها من الخارج والداخل، حروب عسكرية، غزو ثقافي، حروب ناعمة وتركيبية وهجينة، تلاعب بأوراق منافقي "خلق" و"الدواعش"، لكن إيران بقيت شامخة شموخ الجبال لم تهزها كلّ تلك العواصف، بفضل مداميك وأساسات الثورة التي أرساها الإمام الخميني الراحل (قده) وسار عليها الإمام القائد علي الخامنئي دام ظله. وأحد تلك الأساسات كان النظام المحصّن بالشرعية الدينية والمقبولية الشعبية، والذي أظهر على مدى العقود الخمسة قوة وتماسكًا لا نظير لهما بين كلّ الأنظمة الرئاسية والبرلمانية المنتشرة في العالم. ولعل سر قوة النظام الإسلامي في إيران يعود لعوامل عدة، أبرزها:


-  الاستفتاء: اختيار النظام الإسلامي كان من قبَل الشعب، وولادته اعتمدت إرادة الشعب باستفتاء نال بموجبه تأييد 99%، بعد انتصارة الثورة في شباط/فبراير عام 1979.
- الرضى الشعبي: قناعة جميع الإيرانيين رغم اختلافاتهم العرقية والمذهبية وحتّى السياسية بالتنافس تحت سقف النظام الإسلامي.
- المرجعية الشعبية: فالشعب هو الذي يقرر وهو مصدر السلطات الفعلي، حتّى أن الدستور مكّنه من سحب التمثيل ممن يمثله بحال خالف ما تعهد به خلال ولايته. على هذا الأساس برزت قوة النظام الإسلامي في إيران، في ثنائية السيادة الدينية والديمقراطية الشعبية الحقيقية التي تعتمد على مرجعية الشعب وعلى جعل الناس هم أساس اختيار جميع السلطات، ما دفعهم للمشاركة بقوة في جميع الاستحقاقات الدستورية، وبنسب مئوية تتجاوز في كثير من الأحيان كلّ الانتخابات والاستفتاءات حول العالم. 
 - التعددية الحزبية: ما يجعل التنافس على السلطة في إيران على أساس البرامج والمشاريع وليس الأشخاص. من هنا فإن تداول السلطة ما بين المحافظين والإصلاحيين، يفند كلّ الادّعاءات التي تصِم النظام بأنه "ثيوقراطي"، أو "دكتاتوري".
- تداول السلطة: بين الإصلاحيين والمحافظين ما يجعل النجاح في الحكم معيارًا لتجديد ولاية هذا الفريق أو ذاك والفشل يفتح المجال أمام المحاسبة الشعبية في صندوقة الاقتراع.
- فصل السلطات: الآليات الدستورية المحكمة خطت نصوصًا واجتهدت حلولًا تحول دون وقوع أي أزمة دستورية، وتمنع طغيان أي سلطة من السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية على أخرى، بعدما وزعت الصلاحيات بشكل عادل ومتوازن وفصلت بينها.
- الولي الفقيه: ويعتبر قيّمًا ووصيًا على سلطات النظام الإسلامي في إيران، ودوره وضع السياسات العامة للنظام والإشراف على حسن سير السلطات الثلاث، وحل الاختلافات وتنظيم العلاقة بينها.
 - المجالس الخاصة: التي أسسها النظام الإسلامي في إيران وتحدث عنها الدستور، ومهمتها حل الإشكالات والمنازعات التي تتولد بين السلطات، لتكون بمثابة الحكم بينها، ويكون رأيها الراجح، من تلك المؤسسات الدستورية: مجلس صيانة الدستور ومجمع تشخيص مصلحة النظام.

 

لقد أثبت نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية الفولاذي صعوبة اختراقه، أو تسلل الأزمات إليه، في أصعب وأحلك الظروف، فالدستور الإيراني خط آليات تمنع حصول الفراغ في السلطة سواء على مستوى القيادة أو الرئاسة أو باقي السلطات، وقد شهدت إيران خلال سنوات ما بعد الثورة أحداثًا غير عادية راهن عليها البعض لإضعافها، لكنّها كانت تخرج منها أقوى وأشد مناعة، منها وفاة الامام الخميني (قده)، إذ سارع مجلس القيادة آنذاك خلال 24 ساعة لاختيار الإمام السيد علي الخامنئي قائدًا جديدًا، ما منع حصول فراغ قيادي للحظة واحدة.


ومن تلك الأحداث أيضًا، ما حصل بعد انتصار الثورة من اغتيال قادة وأعضاء الحزب الجمهوري الإسلامي خلال اجتماعهم في مقر الحزب في 28 حزيران/يونيو 1981، والذي أفضى لاستشهاد رئيس السلطة القضائية السيد بهشتي و72 نائبًا من مجلس الشورى الإسلامي، ومنها أيضًا حادثة اغتيال رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية الثاني بعد الثورة محمد علي رجائي في 30 آب/أغسطس 1981، ومنها مؤخرًا استشهاد الرئيس إبراهيم رئيسي ورفاقه، في حادثة تحطم الطائرة في 19 أيار/مايو 2024. كلّ تلك الأحداث المفجعة رغم هولها لم تؤثر على هيكلية نظام إيران الإسلامي بفضل امتلاكها دستورًا يمنع الأزمات والفراغ في السلطة، وينص على انتخاب رئيس جديد للبلاد خلال خمسين يومًا، وهذا ما حصل سابقًا، وما يحصل هذه الأيام.

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف