عاشوراء 2024

نقاط على الحروف

الانعزاليون وخطاب الكراهية
12/07/2024

الانعزاليون وخطاب الكراهية

يطوّب البعض لبنان باسمه، ينصّب نفسه قيمًا ووصيًا على اللبنانيين، يجري لهم فحوصات DNA نسَبية مجانية لتحديد سليلتهم وأعراقهم ومستوى وطنيتهم، يصنفهم وفقا لهواه السياسي ("لبناني"، و"غير لبناني"..)، ويدلي دومًا بملكية طائفته أو حزبه للبنان ("البلد لنا وليس لكم).. ولا يكتفي هؤلاء بذلك بل يزجون برامج أحزابهم وشعاراتها التي رفعوها طوال تاريخهم الأسود في صلب خطابهم السياسي والاعلامي وحملاتهم الانتخابية.. ("ما بتشبهونا".. "لبناننا آت".. "ما بينعاش معكم" و"بدنا نطلق".. و"السني ليش بدك تحطو بلبنان).

إلى هذا الحد بلغت اللغة الاستعلائية والعنصرية الممجوجة مؤخرًا، وإلى هذا الحد وصل الإسفاف في خطاب الكراهية، حتى تجاوز كل حدود اللياقة والتعبير عن الاختلاف بالرأي و"أتيكيت" التخاطب الوطني في عز الاحتدام السياسي، كما حصل في مراحل سابقة. فقد أضحى ترداد مضمون هذا الخطاب على المنابر السياسية والإعلامية طعنة بلبنانية ووطنية شريحة واسعة من اللبنانيين تشكّل أكثر من نصف البلد.

لم يكتفِ معتلو تلك المنابر بالتصويب على طائفة بعينها؛ بل ظهروا متلبسين بغرورهم وانكشفوا على حقيقتهم. وبدا أن مشكلتهم ليست محصورة مع فئة من المسلمين؛ بل مع جميع اللبنانيين المخالفين لرأيهم، فطال استعلائهم كل من رفض مبايعة رئيس حزبهم "القوات اللبنانية" سمير جعجع زعيمًا للمعارضة في لقاء معراب الشهير. ووصل الأمر إلى حد التجرؤ على الزعيم السابق لـ"الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط، حينما تناول نائب "قواتي"، في تسجيل صوتي، تاريخ آل جنبلاط في الجبل بطريقة أساءت إليهم، وفقًا لما تحدثت به معلومات صحفية يوم أمس.

هذا الخطاب العنصري واجتراره على شاشات التلفزة، دفع بعض المراقبين إلى طرح تساؤلات عدة؛ ومنها:

1. من أعطى تجار تلك المنابر الحق بأن يحددوا لبنان لمن، ومن منه، ومن ليس منه (جوزيف أبو فاضل: الموارنة عملوا البلد والسنة والشيعة لبنان مش بلدهم)؟ ومن أعطاهم الحق بتوزيع شهادات الاستحقاق الوطني على اللبنانيين وفقًا لمعيار انتمائهم الديني والطائفي والمذهبي، حتى صار البلد لأتباع تلك الديانة وتلك الطائفة دون غيرها؟!  

2. كيف يوفق هؤلاء بين خطابهم وما يخطه اِتفاق الطائف من مبادئ لترسيخ الوحدة الوطنية؟ ألا يناقص خطابهم ذاك مبدأ العيش المشترك الذي يعدّ من أهم مبادئ الطائف؟

3. ألا يناقض خطابهم ذلك مبدأ الطائف الذي يعدّ أرض لبنان واحدة لكل اللبنانیین، وأن لكل لبناني الحق في الإقامة على أي جزء منها والتمتع به في ظل سیادة القانون، فلا فرز للشعب على أساس أي انتماء كان ولا تجزئة ولا تقسیم ولا توطین؟!

4. هل يجوز أن يأخذ البعض من الطائف المناصفة مثلاً، ويشارك في السلطة على أساسها ثم يتجاهل بقية مبادئه ونصوصه التي تؤكد حرية الرأي والمعتقد المطلقة والمساواة بين جميع اللبنانيين؟

5. ألا يؤسس ما يردده الانعزاليون في لبنان لخطوط تماس جديدة بين اللبنانيين ولعودة زمن الحرب الأهلية؟

فأي لبنان يريده هؤلاء؟ أيريدونه لجميع اللبنانيين، أم كرقع شطرنج على مقاساتهم؟ وإذا كانوا يريدونه للجميع، فلما يكررون يوميًا خطابات ومواقف تتناقض ونصوص الطائف ومبادئه، والأوضح من الواضحات بأن لبنان وطن نهائي لجميع اللبنانييين؟!

فليعلن الانعزاليون، بصراحة، أنهم ضد اتفاق الطائف بدلاً من التلطي بلغة عنصرية استعلائية لم يشهدها لبنان حتى في زمن الاحتلال الفرنسي..! لغة لم تعد مجرد فلتات لسان؛ بل صارت جزءًا من عقيدتهم وفي صلب تفكيرهم، في زمن ما أحوج لبنان فيه إلى الهامات والقامات من رجالات الدولة، وإلى التواضع وتعزيز الخطاب الوطني ومد جسور التلاقي والحوار.. كي لا يتحول النائب إلى نائبة ومن ممثل للأمّة إلى ممثل لزواريب دائرته وحزبه وشعاراته التقسيمية المقيتة التي تهدم الوطن وتزجه في أتون حرب أهلية ولا تبنيه..

لبنانوسائل الإعلامالفيدرالية

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة